على رغم الأجواء السياسية المتوترة، يستمر لبنان في محاولة الحفاظ على المساحة التي اعتاد على ملئها في أوقات أفضل. ويصعب على من يقصد"مستشفى الزهراء"في بيروت، الذي استضاف"المؤتمر العلمي الأول عن المواضيع الجدلية في أمراض القلب والشرايين"أخيراً ألا يدرك أنه على مقربة من المنطقة التي شهدت قصفاً جوياً اسرائيلياً مريعاً في عدوان صيف عام 2006. والتي تشهد أحياناً اضطرابات سياسية واجتماعية خصوصاً انها على مقربة من مطار رفيق الحريري الدولي. إنه نموذج من العيش اللبناني حالياً، حيث تختلط الرغبة في ممارسة العيش والتطور، مع القلق من انهيارات مدمرة. ماذا يعني"أمراض جدالية"؟ عند ختام المؤتمر، همست بعض الألسن بأقوال مفادها بأن يا ليت أمور السياسة تعامل بالطريقة التي تعامل بها خلافات العلم! والحق أن شعار المؤتمر يشي بذلك أيضاً: ثمة جدال علمي عن كثير من المعطيات المتعلقة بأمراض القلب والشرايين، والتي تعتبر من أكثر الأمراض انتشاراً، ويمكن التعامل مع ذلك الواقع الخلافي بالدراسات والأوراق والأرقام والإحصاءات والحوارات الهادئة. لعله رسالة"خفية"من عالم العلم إلى أزمة السياسة وقيادتها في بلاد الأرز. افتتح المؤتمر رئيس مجلس ادارة"مستشفى الزهراء الجامعي"محمد شعيتو، الذي عبّر عن فخره باستضافة المؤتمر العلمي الطبي. وقدّم لمحة عن تاريخ المستشفى الذي"هو وليد افكار الراعي الأول للوفاق والعيش المشترك في لبنان: الإمام موسى الصدر". وبيّن أن المستشفى انطلق في عام 1976، في مستهل الحرب اللبنانية، وخدم كمستشفى ميداني، ثم تحوّل جامعياً بعد أن تعهدته أكاديمياً الجامعة اللبنانية. وراهناً، يضم المستشفى قسماً متخصّصاً بأمراض القلب، يشتمل على 16 سريراً للعناية الفائقة. وكذلك أوضح منظّم المؤتمر الدكتور جوزيف الياس أن المؤتمر"يهدف الى صوغ مقاربة مختلفة نوعياً للمواضيع التي لا يسود اتفاق علمي حولها في أمراض القلب والشرايين"، من خلال مناظرات بين اكثر من أربعين طبيباً جاؤوا من أوروبا والدول العربية. وشدّد على أن"الحقيقة العلمية لا تتفق مع وحدانية النظرة، لأن المعطيات تأتي من التفاعل العلمي والانساني". وأعرب عن أمله في تحوّل المؤتمر إلى نشاط سنوي لمستشفى الزهراء. وفي سياق مماثل، أظهر نقيب الأطباء في لبنان البروفسور جورج افتيموس حرص النقابة على تنشيط البحوث العلمية ونشر المعلومات والإرشادات الصحية. وقدّم وزير الصحة اللبناني المستقيل الدكتور محمد خليفة وهو طبيب أيضاً مداخلة اعتبر فيها ان المؤتمر يعكس حرص المجتمع العلمي على متابعة التطورات العالمية، وكذلك يشير إلى تحدي اللبنانيين للأوضاع العامة البالغة السوء. ولاحظ أيضاً أن أمراض القلب والشرايين"ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوكيات حياتنا ونمط عملنا وغذائنا". 42 مناظرة و7 محاضرات تضمّن المؤتمر 42 مناظرة و7 محاضرات أكاديمية تناولت مفاهيم خلافية عن أمراض تصلب الشرايين والتدخّلات الطبية الملائمة وجراحة القلب والصمامات وعلاج قصور القلب واضطراب نبضاته الكهربائية، إضافة إلى التقنيات الشعاعية المستحدثة وغيرها. واستخدم المؤتمر طريقة التصويت الالكتروني لسبر الآراء، قبل المناظرة وبعدها، لتقويم مدى تفاعل الحضور مع الآراء المتعارضة، التي استمرت نقاشاتها على مدار يومين. تخلل اليوم الأول 4 جلسات تناولت الجلطة القلبية، التداخلات الطبية، الأدوية وتاثيراتها، صور انسداد الشرايين واستعمالتها وغيرها. وشمل اليوم الأخير 3 جلسات تضمنت نقاشاً عن هبوط القلب، واضطرابات كهربائه وما يرافقها من تشوش في انتظام دقاته، والجراحة القلبية وغيرها. ودار جدال عن"راسور"رفّاص متطور يستعمل لعلاج بعض حالات انسداد الشرايين الاكليلية، وهي التي تُغذي عضلة القلب نفسها وتمدها بالدم اللازم لاستمرارها في عملها. ويُطلق على هذا النوع اسم"دي أي اس ستنت"DES Stent، وذلك اختصاراً لعبارة Drug Eluting Stent. وعموماً، يجري اللجوء الى"الراسور"القلبي عند تعرض أحد الشرايين الاكليلية للانسداد، فيعيد فتح مجرى الدم. ويتميّز النوع"دي أي اس ستنت"بأنه مغلّف بعقار يمنع تراكم الكريات والصفائح وغيرها من العناصر التي تلعب دوراً في تجلّط الدم، ما يقيه من الانسداد بفعل تشكّل الجلطات فيه. ورأى بعض المشاركين ان مرضى السكري يستفيدون منه بصورة خاصة، فيما دعا آخرون الى استعمال"دي أي اس ستنت"في الحالات كلها التي يلزمها وضع"راسور"قلب. وجرت مناظرة عن مشكلة ضيق الجهة اليسرى من القلب وما تمثّله من عقبة امام العمليات الجراحية، بأثر من الدقة العالية التي تميّز عملها. ونوقش استخدام فحص مادة"بي أن بي"BNP التي يرتبط مستواها في الدم مع معدل الضغط في الشريان الذي يصل القلب بالرئة. ويتبدل مستواها مع هبوط القلب، بفعل ضعف قدرة عضلة القلب على تمرير الدم واسترجاعه من الرئتين بسرعة طبيعية. وطال النقاش في مسألة أولوية العلاج بالأدوية على الجراحة أو العكس، كحل لاحتشاء عضلة القلب وهبوط قوتها. وطاول النقاش إمكان التدخل في انسداد الشرايين الاكليلية من طريق حقن الدواء مباشرة في الأوعية المنسدّة. ونوقشت أنواع المقاربات العلاجية المناسبة لمرضى السكري عند إصابتهم بهبوط في عضلة القلب. ودوماً، أعطي للتصويت الالكتروني ونتائجه الاهتمام اللازم في توجيه الأهمية الى الأراء المتنافسة. نجاح بارز ووصف الدكتور أمير طربين، الذي يعمل في"مستشفى الملك فيصل التخصصي"في الرياض، و"مركز البحوث"في جدة، المؤتمر بأنه"ناجح جداً"، منوّهاً"بجرأته على البحث في مواضيع خلافية مهمة في علاج أمراض القلب، على رغم عدم حسم الخلاف حول مجموعة من تلك المواضيع". واعتبر ان استمرار النقاش العلمي حول تلك المسائل العالقة ضروري جداً."وقد يتنبه الجراحون الى أشياء تفوت الأطباء الذين يركزون على علاج أمراض القلب بالأدوية، والعكس بالعكس". واعتبر أن المؤتمرات الدولية وسهولة المشاركة فيها، تساعد الأطباء على التعرّف الى الجديد علمياً، وخصوصاً ما أثبت نجاعته. وأضاف أن الحوار هو طريقة موفقة لفهم الموضيع التي ما زال الجدال طبي دائراً حولها. وهنأ طربين اللجنة المنظمة على جهودها،"لأنها نجحت في رعاية مؤتمر علمي دولي استطاع، في يومين، مقاربة عدد كبير من المسائل المرتبطة بالعناية بأمراض القلب، وتقديم المعلومات الأكثر جدّة عنها".