بعد "قارئة الفنجان" و "البصارة" و "الحاوي" جاء دور العلم ليُثبت امكان قراءة الافكار بوضوح، ودخول خفايا الدماغ لمعرفة ما يمكن ان يُفكر فيه السياسيون والارهابيون والانتحاريون... وكشف ما يُفكر فيه العاشق او الزوج الغيور وحتى"القبض على الخيال"! وتمكن فريق من الباحثين الاميركيين الذين يدرسون آلية عمل الدماغ، من فك رموز تسلسل الافكار وقراءتها، بعدما تعرفوا على الصور التي شاهدها متطوعون، اذ رصدوا الاشارات الصادرة عن الدماغ وحللوها. وقال البروفسور جاك غالانت، الباحث في كلية علم الاعصاب في جامعة كاليفورنيا،"ان المسألة تُشبه الى حد ما الخدعة السحرية للحاوي". واضاف في تصريحات نقلها الموقع الالكتروني لمجلة"نيتشر"العلمية:"في الوقت الذي يلجأ الحاوي لاستخدام الخدعة النظرية تمكن الباحثون من اكتشاف اسلوب تحديد عمل اشارات الدماغ عبر تصوير حركتها وتموجاتها". واستخدم الباحثون الرنين المغناطيسي لرصد الدماغ البشري واستكشافه وفهم طريقة عمله، ما اتاح قياس تذبذب تدفق الدم ومن ثم رصد اماكن الدماغ التي تدخل مرحلة النشاط خلال بعض المهمات مثل العمليات الحسابية، وردود الفعل الحسية للمس والصوت والنظر. وركز غالانت على القشرة البصرية، وهي منطقة الدماغ التي تعيد تكوين الصور التي تنقلها العينان، عبر متابعة واكتشاف الحركة البصرية ما قد يساعد في فهم كيفية رد فعل الدماغ على الصورة التي يمكن ان تكون تشكلت في الدماغ. وحذّر الباحثون من ان الامر"لا يتعلق في هذه المرحلة بقراءة الافكار او الاحلام او حتى اعادة تكوين الصورة المرئية، وهو ما لا يمكن لأحد القيام به حتى الآن". لكن ما توصل اليه الباحثون، واذا تم تطويره لاحقاً، عبر درس آليات الفعل وردود الفعل يمكن ان يساعد في تشخيص الامراض او حتى تقويم مفعول العلاج النفسي. ووضع فريق الباحثين في البداية نموذجاً حسابياً انطلق من المنسوب المختلف للدم الذي تم رصده في ثلاث من مناطق القشرة البصرية. وتم عرض 1750 صورة شجرة وهاتف ودراجة وزهور وهرة على متطوعيْن اثنين من فريق غالانت. وجرى تسجيل نشاطهما الدماغي قبل اخضاعهما لبرنامج"فك الرموز". ثم جرى مجدداً عرض حوالي 120 صورة بقياس شكل التخيلات الوظيفية اشارات التي تم الحصول عليها على مستوى القشرة البصرية. ثم نظر المتطوعان الى هذه الصور ال120 تحت رقابة الرنين المغناطيسي الوظيفي ليستنتج بعدها جهاز كومبيوتر مزود ببرنامج حسابي خاص للباحثين، الصورة المشاهدة من خلال النشاط الدماغي المسجل ثم التحقق من نوعية هذا الاستنتاج. واستخلص جون دايلان هاينز من معهد علوم الدماغ في المانيا، والذي شارك في الاختبارات، انه"اصبح بالامكان الآن القبض على الخيال"! وقال غالانت انه"مع بليون صورة، وهو اكبر عدد من الصور المفهرسة في موقع غوغل على الانترنت، قد يحدد برنامج فك الرموز الصورة في 20 في المئة من الحالات". ولا يزال ادخال صور او افلام بشكل اصطناعي في الدماغ البشري يُعتبر من قبيل الخيال العلمي. ويرى الباحثون ان هذه التقنية يمكن ان تُستخدم في تشخيص حالات جلطات المخ والخرف او في تقويم الآثار العلاجية او في سيناريو مستقبلي يتمثل بتفاعل بين الدماغ والآلة يتيح مثلاً لمصاب بشلل رباعي اصدار اوامر الى الاجهزة الحركية مثل الذراع او الاطراف بالعمل. واشار الباحث الى ان"التكنولوجيا الحالية لفك رموز النشاط الدماغي بدائية نسبياً"، لكنه اعتبر ان هذه التقنية"يمكن"ان تثير"مشاكل اخلاقية خطيرة منها انتهاك الحياة الخاصة".