طلب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "مغادرة البصرة" بعدما أمهل الأخير الميليشيات الشيعية في المدينة ثلاثة أيام لالقاء السلاح، فيما شلّ استمرار المواجهات لليوم الثاني على التوالي بين أنصار الصدر والقوات الحكومية والأميركية العاصمة العراقية ومدناً جنوبية. ودخلت عملية"صولة الفرسان"العسكرية التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي من البصرة يومها الثاني من دون تحقيق نتائج حاسمة في ظل استمرار المعارك على الأرض. وأوضح مسؤول الهيئة السياسية في التيار لواء سميسم أن"الصدر طلب من المالكي مغادرة البصرة وإرسال لجنة للعمل على إنهاء الأزمة". وقال إن"اللجنة السياسية للتيار مجتمعة حالياً في النجف لمناقشة الأوضاع في البصرة وبقية المدن والسبل الكفيلة بإنهاء الأزمة". وأكد مصدر رفض كشف اسمه أن مقتدى الصدر طلب"ارسال لجنة برلمانية للتحقيق في الأحداث التي وقعت في البصرة، والعمل على تهدئة الأوضاع"، لكنه لم يكشف رد المالكي على ذلك. وأجاب رداً على سؤال عمّا إذا كان الصدر طلب ذلك من المالكي مباشرة:"قد يكون هذا الطلب تم بواسطة أحد الوكلاء الشرعيين". شلّ العاصمة وسقط عشرات القتلى في المواجهات المتنقلة بين قوات الامن والميليشيات الشيعية في العراق منذ يوم أول من أمس، في حين أمهل المالكي المسلحين في البصرة ثلاثة أيام لإلقاء السلاح. وأعلن مصدر في وزارة الداخلية مقتل 20 شخصاً على الاقل واصابة 115 آخرين بينهم نساء وأطفال نتيجة اشتباكات اندلعت في مدينة الصدر شرق بغداد خلال الساعات العشرين الماضية، مشيراً الى أن"القتلى توزعوا على خمسة مستشفيات في الجانب الشرقي من بغداد". كما قُتل ما لا يقل عن ستة أشخاص وأُصيب 45 آخرون في هجمات متفرقة بينها سقوط قذائف هاون استهدفت"المنطقة الخضراء"المحصنة في العاصمة. وقالت المصادر إن"ثلاثة أشخاص قُتلوا وأُصيب 12 آخرون نتيجة سقوط ثلاث قذائف هاون على منطقة الرسالة جنوب غربي بغداد". كما أدى سقوط قذيفتي"هاون"في شارع الكرادة وسط العاصمة إلى مقتل شخصين وإصابة سبعة آخرين، وفقاً للمصادر. وأكدت المصادر"مقتل شخص واصابة أربعة آخرين عندما استهدفت ثلاث قذائف هاون محيط المنطقة الخضراء وسقطت احداها على مبنى في حي الصالحية المجاور". وأضافت أن"قذيفتين أخريين سقطتا داخل المنطقة الخضراء لكن الخسائر لم تعرف". وأعلنت الناطقة باسم السفارة الأميركية في بغداد أن ثلاثة أميركيين أُصيبوا اثر القصف الذي استهدف"المنطقة الخضراء"المحصنة. وتتعرض"المنطقة الخضراء"التي تضم معظم المباني الحكومية وسفارتي الولاياتالمتحدة وبريطانيا، منذ ثلاثة أيام الى قصف مستمر، بالتزامن مع اندلاع معارك بين"جيش المهدي"والقوات العراقية في جنوب البلاد. وأفاد الجيش الأميركي في بيان أن كل الهجمات التي تعرضت لها"المنطقة الخضراء"كان مصدرها مدينة الصدر، معقل"جيش المهدي". وذكرت المصادر الأمنية أن 11 شخصاً جُرحوا برصاص أطلقه مسلحون على محلات تجارية لم تغلق أبوابها في شارعي السعدون والكفاح وسط. وكان التيار الصدري دعا إلى"عصيان مدني"احتجاجاً على امتناع الحكومة عن تلبية مطالبه المتمثلة بإطلاق سراح أنصاره ووقف عمليات الدهم لكن مسلحين أرغموا الموظفين على مغادرة أماكن عملهم. وشلت الحركة في معظم مناطق بغداد وخصوصاً مدينة الصدر، وبعض مناطق الكرخ غرب دجلة معقل جيش المهدي. مواجهات البصرة وفي البصرة، تجددت الاشتباكات بين الميليشيات وقوات الأمن لليوم الثاني على التوالي في خمس مناطق شمال المدينة. وأفاد مراسل"فرانس برس"أن"اشتباكات مسلحة اندلعت صباح أمس في مناطق الكزيزة والحيانية والكرمة وخمسة ميل والمعقل"شمال البصرة. وأكد شهود أن"عناصر الميليشيات انتشرت منذ ساعات الصباح المبكرة". وفي هذا السياق، طلب المالكي عدم"ملاحقة المغرر بهم من الذين حملوا السلاح ليسلموا أنفسهم وأسلحتهم لقوات الأمن خلال 72 ساعة على أن يقدموا تعهداً خطياً". وحذر من أنه"بخلاف ذلك، فإنهم سيعرضون أنفسهم إلى عقوبات شديدة". وأوضح الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء الركن عبدالكريم خلف أن توجيه المالكي بعدم ملاحقة المغرر بهم، يشمل الذين لم يرتكبوا انتهاكات ولم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين. وأكد:"إذا ما انقضت المدة فإن من يُعتقل سيلاحق قضائياً وستُتخذ اجراءات رادعة في حقه". وتدور اشتباكات متقطعة في أحياء البصرة منذ فجر أول من أمس بين قوات الامن وميليشيات شيعية متناحرة تتنافس على السيطرة على موارد المحافظة الغنية بالنفط. وتشكل البصرة المنفذ البحري الوحيد للعراق، كما أن غالبية الانتاج من النفط الخام تُصدر من موانئها. وقال مدير مركز العمليات في وزارة الداخلية اللواء الركن عبدالكريم خلف إن المالكي"أعطى الفرصة لجميع المغرر بهم من الذين حملوا السلاح ولم تلطخ أيديهم بدماء شعبنا"، مؤكداً في الوقت ذاته أن"قواتنا مستمرة بالعمليات". وأكد خلف الذي يشارك في عمليات البصرة أن"قواتنا تفرض سيطرتها على وسط المدينة، وتنفذ الآن أوامر اعتقال أشخاص محددين هناك ملفات قضائية مفتوحة ضدهم". لكنه لم يذكر اسم أي منهم. وتكاد شوارع البصرة تخلو من الحركة منذ بداية المواجهات المسلحة بين الجيش العراقي و"جيش المهدي"والمقاتلين معهم من قوى وتيارات اعتبرت أنها مستهدفة أيضاً. وتشير تقارير محلية الى أن حركات وأحزاباً شيعية كانت انشقت عن التيار الصدري، تعمل على مساندته اليوم وتزوده بالمعلومات اللوجستية والأسلحة والعتاد. ومنذ انتقاله الى البصرة، لم يلتق رئيس الوزراء المسؤولين في الحكومة المحلية، إلا أنه التقى محافظ المدينة محمد الوائلي ورئيس مجلس المحافظة في مؤتمر داخل القصور الرئاسية غابت عنه الصحافة. وحذرت منشورات أسقطتها طائرات أميركية المواطنين من الاقتراب من أماكن المسلحين لأنهم سيكونون أهدافاً لها، فيما يجري الحديث عن وصول قطعات عسكرية عراقية متخصصة في مكافحة الميليشيات، من كربلاء. ويتداخل عمل العناصر المسلحة مع نشاط الجيش. يقول أحد الشهود:"نرى في الشارع الواحد مفرزة للجنود تتخذ من ركن أحد المنازل مكاناً لاستراحتها وتحذرك من خطورة السير هنا. وفي نهاية الشارع ذاته، تجد مفرزة لجيش المهدي تسألك عن وجهتك المتوجه إليها، ما خيب آمال الاهالي بنهاية قريبة للمعركة". وتشير تقارير الى وصول تعزيزات الى المسلحين من مناطق متفرقة من البصرة، علاوة على مساعدات وإمدادات من أحزاب أخرى لا تفضل بسط سلطة حكومة بغداد على المدينة. وأكد بيان لقيادة الجيش العراقي أن الخطة لا تستهدف جهة سياسية بعينها أو"جيش المهدي"بذاته إنما بعض العناصر فيه وفي الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، فيما ترددت أنباء عن قائمة مطلوبين اعتُقل بعضهم. وكانت مجموعات مسلحة تجمعت قرب مكتب"الشهيد الصدر"حاصرت مقر قيادة الشرطة في الحكيمية وهاجمته بالقاذفات والهاونات. وتوقع مسؤول مكتب الصدر حارث العذاري"انفراجاً قريباً للازمة"، مشيراً إلى أن دعوة السيد مقتدى الصدر لحل الخلافات عبر الحوار، محرماً على الجميع إراقة الدم العراقي ستفتح الباب لانهاء الازمة. وكان وفد من تيار الصدر توجه الى البصرة للقاء رئيس الوزراء العراقي المقيم هناك منذ أيام من دون ان تكشف الجهات الرسمية عن نتائج المشاورات. أعمال عنف شمال العراق وعلى صعيد العنف أيضاً، قُتل ثمانية أشخاص من عائلة واحدة بينهم أربعة اطفال في قصف جوي أميركي بعد تعرض قوة عسكرية إلى إطلاق نار من عناصر تابعة لتنظيم القاعدة شمال تكريت. وأوضح مصدر في الشرطة أن"الطيران الأميركي قصف منزلاً في حي القادسية شمال تكريت، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص من عائلة واحدة بينهم أربعة اطفال وامرأتان". وأضاف أن"بين القتلى قاضياً في محكمة تكريت"، مشيراً الى أن"القصف جاء اثر دهم أحد أوكار القاعدة". وأكد الجيش الأميركي في بيان"مقتل واصابة عدد من المدنيين في قصف جوي استهدف عناصر من القاعدة في تكريت متورطين في تفخيخ سيارات". وأضاف أن"القوة تعرضت إلى هجوم فور وصولها واستدعت اسناداً جوياً، لكن الارهابيين فروا الى أحد المنازل المجاورة واتخذوا من المدنيين درعاً لهم".