اصبح الاستثمار في الأسواق المالية، أحد الخيارات المفضلة لشريحة مهمة من المستثمرين في المنطقة. وعادة ما يهدف الفرد من الاستثمار الى زيادة ثرواته والحفاظ عليها، في ظل الارتفاع المتواصل لمعدلات التضخم، وبالتالي التراجع المستمر في القوة الشرائية النقدية. واتسعت قاعدة المستثمرين في الأسواق المالية العربية في شكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية، في ظل ارتفاع العائد وسهولة الاستثمار، ووسائل التكنولوجيا الحديثة. وتحمل محدودية فرص الاستثمار البديلة، بخاصة بالنسبة الى صغار المستثمرين، والاستثمار في الأسواق المالية، أخطاراً متنوعة، أولها عدم تأكد المستثمر من الحصول على العائد المتوقع. فقد يتحقق الأخير أو لا ، نظراً الى الكثير من الأخطار النظامية وغير النظامية التي تحيط بعملية الاستثمار. وضعف الوعي الاستثماري يجعل شريحة كبيرة من المستثمرين تنظر الى العائد، وتتجاهل أخطار الاستثمار في الأسواق. الاستثمار في الأوراق المالية بطبيعته استثمار طويل الأجل، أي ان المستثمر يحتاج الى مدة طويلة نسبياً، حتى يستطيع التمتع بفوائده. والأمثلة كثيرة حول المكاسب الكبيرة التي حققها عدد كبير من المستثمرين في اسهم الكثير من الشركات القيادية. وتتكون هذه المكاسب من التوزيعات النقدية والأسهم المجانية وارتفاع سعر أسهم هذه الشركات في السوق. وتجاوز معدل العائد الاستثماري السنوي في اسهم بعض الشركات حاجز 40 في المئة خلال عشر سنين، وهو بالطبع افضل عائد بين الأدوات والفرص الاستثمارية المختلفة. ويحتاج الاستثمار الطويل الأجل الى التقيد بالكثير من المبادئ المهمة، في مقدمها اختيار الشركات الجيدة ذات الكفاءة العالية في الإنتاج والإدارة، وتنويع الاستثمار في اسهم الشركات، إضافة الى متابعة تطور أدائها للخروج منها عندما تتراجع نسب نموها لأكثر من عام. والملفت ان نسبة مهمة من المستثمرين في الأسواق المالية الخليجية والعربية، بخاصة الجدد الذين دخلوا الأسواق قبل سنوات، تفضل المضاربة، أي الدخول والخروج السريعين على الاستثمار الطويل الأجل حتى أصبحت سيولة المضاربين تشكل نحو 80 في المئة من سيولة بعض هذه الأسواق. معلوم ان الفارق بين الاستثمار والمضاربة ينحصر بصورة أساسية في اختلاف العوائد المتوقعة والأخطار المحتملة، ومدة الاستثمار. وانخفاض الوعي الاستثماري يرفع مستوى أخطار المضاربين في الأسواق المالية. وبالتالي لاحظنا حجم الخسائر التي تعرض لها صغار المضاربين خلال الفترة الزمنية الماضية، إذ تبين ان التذبذب المستمر في مؤشرات الأسواق المالية وتعدد الأخطار النظامية وغير النظامية، خصوصاً بعد دخول الاستثمار الأجنبي المؤسسي والارتباط النفسي والمادي بين أسواق المنطقة والأسواق العالمية، حول بعض المضاربين الى الاستثمار الطويل الأجل. وأصبح بعضهم يفضل الاستثمار في الأسواق المالية من خلال صناديق الاستثمار المشتركة، كما ان قرارات هيئة الاوراق المالية بفصل حسابات الزبائن لدى شركات الوساطة، يخفض أيضاً حجم المضاربة في السوق ، والخفض التدريجي لنسبة سيولة المضاربين في الأسواق المالية، يسهم في رفع تدريجي في مستوى كفاءة الأسواق ونضجها. فتصبح الأسواق اكثر استقرار ولا تتأثر سلباً بعوامل هامشية او غير منطقية، فتنتقل صناعة القرار الاستثماري الى العقل والمنطق بدلاً من العواطف والمشاعر، والاعتماد على الإشاعات والسير خلف الجموع، وبالتالي انحسار الفجوة بين الأسعار السوقية لأسهم الشركات المدرجة وأسعارها العادلة. وتتوزع السيولة على كل الفرص المتوافرة داخل الأسواق بدلاً من تركزها على اسهم عدد محدود من الشركات، ما ساهم بتخفيض الفرص الاستثمارية المتوافرة داخل هذه الأسواق. لا يختلف اثنان على أهمية المضاريبن في الأسواق. فهم بحسب أدبيات البورصات، كالملح في الطعام. قليله مطلوب ومفيد، وكثيره ضار. ووجودهم يسهم في خلق سيولة دائمة، أي بائعين ومشترين. بينما ترتفع أخطار الأسواق عندما تصبح المضاربة هي الأساس، والاستثمار الطويل الأجل، الاستثناء. وإذا كانت نسبة المضاربين تشكل 80 في المئة خلال هذه الفترة، فأتوقع انخفاض هذه النسبة الى 50 في المئة خلال عام 2010 . والحصة المتبقية من نصيب الاستثمار المؤسسي والطويل الأجل، ما يسهم بالطبع في انخفاض أخطار الأسواق وتحسن عوائدها، وبالتالي نمو قاعدة المستثمرين فيها، الذي بدوره يؤدي الى توسيع الملكية في المجتمع وتوزيع مكاسب التنمية على كل شرائح المستثمرين. * مستشار"بنك ابو ظبي الوطني"للأوراق المالية.