يجمع الباحثون على ان فن التصوير كان قديماً في آداب الأمم وأنه حرفة سبقت الكتابة إذ أنها، في أصل نشأتها كانت صوراً ثم تدرجت في الارتقاء حتى صارت حروفاً هجائية وبقي الناس بعد تكوينها يستخدمون الصور لتمثيل عاداتهم ومعتقداتهم وينقشونها على أبنيتهم أو يصورونها بالألوان. ومن المتفق عليه ان المصريين القدماء كانوا أكثر الناس تصويراً لعاداتهم وحوادثهم، كذلك اليونان والرومان والفرس وغيرهم من الشعوب، وما من أمة عظيمة لم تترك آثاراً مصورة، تعبر بها عن أحوالها الاجتماعية أو المدنية أو السياسية، حتى عرب الجاهلية ففي آثارهم في اليمن نقوش تدل على بعض عاداتهم ومعتقداتهم. وعندما جاء الإسلام أصبح العرب أبعد الأمم عن التصوير لأنه كان مكروهاً عند المسلمين ويعده بعضهم محرماً أو هو على الأقل غير مستحب واختلف الأئمة في درجة تحريمه، فقالت طائفة بتحريم النحت وصنع التماثيل فقط وتحليل الصور او الرسوم،وذهب آخرون الى تحريمه على الإطلاق. وعلى كل حال كان التصوير من الفنون المهملة في الإسلام على رغم ماكان يحيط بالمسلمين من اسباب الترغيب فيه عند الفرس والروم والهند وغيرهم. اما اشتغال المسلمين أنفسهم بالتصوير فكان المظنون انهم لم يحفلوا به مطلقاً، ثم تبين بتفقد الآثار ومراجعة المخطوطات القديمة أنهم اشتغلوا فيه بعض الشيء ولذلك تاريخ لا بأس من إبرازه. أولاً: التصوير على الآثار: التصوير على الآثار البنائية إما ان يكون نحتاً وتدخل فيه التماثيل وسائر المنحوتات والنقوش على الجدران او ان يكون رسماً بالألوان، ويبدو ان المسلمين لم ينحتوا تمثالاً ولا نقشوا صوراً أو دمية مجسمة على جدران قصورهم أو مساجدهم تمثل انساناً الا ما ذكره الدكتور المستشرق هرسفيلد عن الصور البارزة في سامراء، لكنهم اصطنعوا تماثيل بعض الحيوانات أو الفرسان أبان حضارتهم في بغداد وقرطبة وطليطة وغرناطة وأشبيلية قلدوا بها الفرس والروم على سبيل الزينة. كذلك فعل المقتدر بالله العباسي في أوائل القرن الرابع الهجري بداره التي عرفت بدار الشجرة. شجرة كان على اغصانها الذهبية تماثيل الطيور وبجانبها الفرسان على أفراسهم. وكان الخليفة الأمين قبله، اصطنع السفن على اشكال الحيوانات، ولم ير في ذلك بأساً. وهكذا فعل الخليفة عبدالرحمن الناصر الثالث في الزهراء بما أقامه في قصورها من تماثيل الذهب الأحمر يمثل بها بعض انواع الحيوان لا سيما الأسود والغزلان والثعابين والطيور على اختلاف اشكالها. وقس على ذلك قصر أشبيلية وقصور الحمراء في غرناطة وقصور بني طولون في القطائع وأبنية الفاطميين في القاهرة، وجاء في اخبار الفاطميين ما يؤخذ منه أنهم كانوا يتخذون تماثيل الأفيال ونحوها من العنبر او الذهب على سبيل التبسط بالرخاء والتفاخر بالثروة. اما التصوير على الأبنية بالألوان فغالب الظن ان المسلمين لم يتعاطوا به أبان تمدنهم الا ما ذكره هرسفيلد انه وجد على الجدران نقوشاً مطبوعة وتصاوير ملونة ووجد في تنقيبه غرفاً وردهات زينت جدرانها بتصاوير شرقية محفوظة أحسن حفظ وفيها صور بارزة بالجص بينها صور أناس على أبدع مثال، والمرجح ان هذه الرسوم من صنع القرن الثالث للهجرة عند بناء سامراء لأن هذه المدينة أهملت من زمن المقتدر بالله المتوفى عام 289 هجرية، وفي اخبار الفاطميين معلومات كثيرة عن الأبسطة والستائر المطرزة بينها سطور من الحرير منسوجة من الذهب فيها صور ملوك الدول والمشاهير وعلى صورة كل واحد اسمه ومدة ايامه وشرح حاله وإن قيل انها ستائر مجلوية من الخارج، ولم يأمر الفاطميون برسمها أو إنها لم ترسم بخلافتهم ففي أخبارهم ان الحاكم بأمر الله لما بنى المنظرة على بركة الجيش جعل فيها كل دكة من خشب مدهونة، فيها طاقات تشرف على خضرة الركة ثم صوِّر فيها كل شاعر وبلدة واستدعى من كل واحد منهم قطعة من الشعر في المدح كتبها عند رأس ذلك الشاعر، وبجانب صورة كل شاعر ورق لطيف مذهب، فلما دخل وقطع الاستار أمر ان يحط على كل رف صرة مختومة فيها خمسون ديناراً وأن يدعى كل شاعر ويأخذ صرته وأقدم ما وقفنا عليه من الصور الآدمية صورة قضاة على جدران قصر الحمراء في غرناطة ويظهر انه من صنع القرن الخامس للهجرة. ثانياً: التصوير على الكتب: وهذا النوع من التصوير قليل ايضاً من مؤلفات المسلمين والعرب وهو يقسم الى انواع باختلاف مواضيع الكتب: الرسوم الجغرافية كالخرائط ونحوها، الرسوم الطبية، وفيها صور الأعضاء وتركيبها. الرسوم الصناعية وتدخل فيها صور الآلات والأدوات، 4- الصور الأدبية والتاريخية التي تلحق بكتب الأدب والتاريخ. الصور الجغرافية: ونعني بها الخرائط وتخطيط البلاد وهي قديمة في الكتب العربية فالشريف الإدريسي وضع كتابه ورسم خرائطه التي بلغت احدى وسبعين خريطة، وأنشأ خريطة الكرة الأرضية على كرة ضخمة من الفضة تزن في تقدير سكبار يلي مئة وخمسين كلغ وتبلغ أبعادها في رأي ميلر، ثلاثة أمتار ونصف المتر طولاً، ومتراً ونصف المتر عرضاً ويدخل في موضوع الصور الجغرافية تصوير الحركات الحربية في ميادين القتال او ساحات السباق. اما في ما يخص الصور الطبية فهي قديمة ايضاً، لأن العرب لما نقلوا الطب عن اليونان والفرس في العصر العباسي الأول، يرجح أنهم نقلوا معه صور بعض الأعضاء التشريحية والحشائش والنباتات الدوائية، لتمييزها عن بعضها البعض كما فعل بعد ذلك رشيد الدين الصوري المتوفى عام 639 بتصوير الحشائش في كتاب الادوية المفردة وأطلع المصور عليها لينقلها بألوانها ومقادير ورقها، وأعضائها وأصولها ويصورها بيبسها كما تبدو في الواقع. وكان يتتبع تطور النباتات ويريها للمصور في حال نبتها وطرواتها ثم حال اكتمالها وظهور بزرها، ثم في حال أفولها ويبسها. ووجد في الخزانة التيمورية كتاب اسمه الأقرباذين والمفردات الطبية وكتاب في أوائل القرن الثاني عشر للهجرة فيه رسوم للعقاقير النباتية والأعشاب الدوائية في غاية الاتقان تتمثل فيه الطبيعة تمثيلاً مدهشاً بالأصباغ على اختلاف ألوانها ورسوم الآلات الكيماوية ومواعين صنع الأدية كالأنابتين والأنابيب والأباريق والحمامات والكوانين والأجران والآلات الجراحية. اما الصور التشريحية فأقدم ما وصل الينا منها تشريح العين لحسين بن اسحاق مرسومة في كتابه المسمى تركيب العين وغللها وعلاجها على رأي أبقراط وجالينوس. وننقل للحديث عن الصور الميكانيكية التي هي أحدث عهداً مما تقدم لأن العرب لم يهتموا بالميكانيك اهتماماً خاصاً إلا بعد عصر النقل، لكن الكتب الميكانيكية المصورة كثيرة، وتعرف بكتب الحيل وفيها صور للآلات الرافعة او المحركة على اختلاف انواعها وأحجامها. كتاب"الساعات العمل بها"وكتاب"الحيل"ومنها عشرات تمثل مصنوعات مدهشة. ونشر المستشرق الفرنسي كارادي، كتاباً عربياً عن الميكانيك اسمه، الحيل الروحانية. من نسخه مخطوطة في مكتبة باريس فيها كثير من الرسوم التي تمثل آلات مدهشة كالتنين الصناعي والطيور الطائرة. والكتاب منقول في الأصل عن فيلوت البيزنطي. أما الصور الدينية فقد كانت أبعد ما يكون من أذهان المسلمين ولذلك نجد شيئاً في كتبهم الدينية على اختلاف مواضيعها. ووجدت من هذا القبيل ثماني صور خيالية منشورة في كتاب،"الميزات الكبرى"لعبدالوهاب الشعراني تمثل عين الشريعة وفروعها والصراط المستقيم. * كاتب لبناني