عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان، ألقى السيد حسن نصرالله، أمين عام"حزب الله"خطاباً ندد فيه بعملية الاغتيال، وامتدح دور الفقيد لأنه في نظره، كان رجلاً وطنياً مؤيداً للمقاومة ومسانداً لمواقفها. وخشية ان ينعكس خروج سورية على مهمة"حزب الله"داخل لبنان، شكر السيد نصرالله للشقيقة دعمها الكامل للمقاومة في الجنوب، رافضاً الامتثال للهياج الشعبي الذي شكل بداية الفرز السياسي بين فريقين وتيارين ونهجين. وكان بهذا التأكيد يرمم علاقة التماسك مع دمشق، ويرسم خطاً ايديولوجياً - استراتيجياً يفصل دور"حزب الله"الثورة عن دور لبنان، الدولة. وبما ان قيادة"حزب الله"تعتبر نفسها احدى أهم ركائز المواجهة ضد المشروع الأميركي في الشرق الأوسط، فإن حكومة السنيورة ترى في عملية المحافظة على نفوذ سورية وايران في لبنان، تهميشاً لدور الدولة ومؤسساتها الرسمية. كما ترى ان الثلث المعطل الذي تطالب به جماعة 8 آذار، يمثل القيد السياسي الذي يمنع الجيش من تسلم دور المقاومة المسلحة، ويمنع الدولة من استرداد قرار السيادة المستقل عن المشروع السوري - الايراني في لبنانوالعراق وفلسطين. في ضوء هذا الواقع، يمكن تفسير الخلاف العميق الذي يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، كعمل هادف يعرقل عمل الدولة ويربك النظام. ومثل هذا الخلاف السياسي المستحكم أدى الى نسف مختلف الوساطات والمبادرات العربية والدولية التي تعين حكومة السنيورة على الخروج من أسر الحصار المفروض عليها من قبل المعارضة. اي الحصار الممثل اقتصادياً وأمنياً بالاعتصام في وسط بيروت التجاري، وب"اللاءات"التي يطلقها العماد ميشال عون ضد مختلف حلول الوفاق. لهذه الأسباب وسواها بدأت حكومة السنيورة تستعد لاعتماد خطة بعيدة المدى، يمكن ان تصل مدتها الى نهاية عهد الرئيس الأميركي جورج بوش، وقد شجعها على دراسة هذا الخيار إصرار المعارضة على تعطيل كل حل ونسف كل وساطة، خصوصاً ان دمشق لا تخفي نيتها انتظار نهاية عهد بوش كي تباشر في تسهيل عملية انتخاب العماد ميشال سليمان أو سواه. وحجتها ان اي رئيس سيكون أفضل من بوش. وهي تراهن على فوز واحد من الحزب الديموقراطي لعلها تشاركه في انتقاء رئيس لبناني متعاون معها ومع جماعتها في المعارضة. وأغلب الظن انها تتوقع نجاح باراك اوباما الذي وعد في خطاباته بالانسحاب من العراق واعتماد سياسة منفتحة على سورية وايران. كذلك تتوقع دمشق بعد انتخاب هيلاري كلينتون ان تحيي سياسة زوجها الذي خص سورية والقضية الفلسطينية بقسط كبير من الاهتمام. وعليه يرى رئيس الوزراء فؤاد السنيورة انه من المفيد رسم سياسة طويلة الأمد لتحاشي العثرات الاقتصادية والأمنية التي يمكن ان تنشأ عن فراغ الرئاسة، أو عن الخلل السياسي الناتج عن التشكيك بشرعية الحكومة وبدور المجلس النيابي. وقد أدى هذا التشكيك الى منع الدولة اللبنانية من ان تكون المرجعية الدستورية الوحيدة. علماً بأن جميع دول العالم - ما عدا سورية وايران - تتعامل مع حكومة السنيورة من موقع الاعتراف بشرعيتها، ولو ان ميشال عون، يتهمها بفقدان ميثاقية العيش المشترك بعدما فقدت ممثلي الشيعة. ولكن سورية تجاوزت هذه العقدة، وقررت دعوة فؤاد السنيورة الى قمة الدول العربية بواسطة الوزير المستقيل فوزي صلوخ. كان من الطبيعي أن تثير دعوة السنيورة إلى القمة العربية في دمشق يوم السبت المقبل، جدلاً بين أعضاء جماعة 14 آذار حول طريقة التعاطي مع هذا الموضوع. ففي حين يرى بعضهم ضرورة إظهار المرونة لعل حضور السنيورة يكسر طوق العزلة ويعبد الطريق أمام انتخاب الرئيس... يرى وليد جنبلاط أن دمشق ستستغل هذا الحضور لمواصلة مسلسل الاهانات، وهو يلتقي مع الدكتور سمير جعجع المطالب بمقاطعة قمة دمشق على مختلف المستويات، لأن سورية لا تعترف بشرعية المدعو، وإنما تتعامل معه كأمر واقع. وفي رأي الوزير مروان حمادة أن الطريقة التي استخدمتها سورية لتوجيه الدعوات تتناقض والأعراف المتبعة والاصول المرعية في ميثاق الجامعة العربية. والدليل أنها أقحمت موقفها السياسي بالنسبة إلى مصر والسعودية، وعبرت عن خلافها مع أكبر دولتين عربيتين بأسلوب ينكره حق الاستضافة. وحول هذه المسألة يلتقي الأمناء العامون للجامعة، لأن الدولة المضيفة هي مجرد موقع تجمع لا تملك قانونية تصنيف الدول الأعضاء، وعليه يرى الوزير حمادة أنه ليس من المنطقي حضور الرئيس السنيورة، ما دام العاهل السعودي والرئيس حسني مبارك ربطا حضورهما بحل موضوع الرئاسة في لبنان. تقول مصادر المعارضة إنها قد تختار العماد ميشال عون للذهاب إلى دمشق في حال قرر رئيس الوزراء السنيورة تلبية الدعوة. وربما يتسلح بفكرة المشاركة بحيث يظهر التباين حول قانونية التمثيل في"السيرك"اللبناني الواسع. ويتردد في بيروت ان الوزارة قد تشهد عملية إدخال وزيرين جديدين بينهما الرئيس السابق امين الجميل الذي يحل محل ولده الذي اغتيل بيار الجميل. ويزعم المقربون من السنيورة أن توسيع الوزارة يفتح أمامه فرصة التمثيل برئيس جمهورية سابق في قمة دمشق، الأمر الذي يؤمن مستوى التمثيل. ولكن جماعة الرفض القاطع للمشاركة تخشى استحضار اتفاق 17 أيار لشن حملة ضد تمثيل الحكومة بوزير أثار خلافات كبيرة في السابق. الرئيس السابق امين الجميل نفى علمه بما تردد حول تعيينه وزيراً خلفاً لنجله الشهيد بيار، وترؤسه الوفد اللبناني إلى القمة العربية. وأعرب عن مخاوفه من استمرار الفراغ الرئاسي، متهماً بعض النواب المسيحيين بالمشاركة في تثبيت خطوة يعتبرها"انتحارية"لأنها تشجع على تغيير النظام. المسؤولون السوريون لا يعيرون هذه التصرفات أي اهتمام، لاقتناعهم بأن القمم العربية لم تنجح في رأب الصدع بين الدول الأعضاء، ولم تحرز أي تقدم على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وهم يتمنون النجاح لأول قمة تعقد في دمشق منذ تأسيس الجامعة سنة 1954، ولكنهم غير مستعدين للتنازل عن المواقف المبدئية ارضاء للمشتركين. وفي تصورهم أن الترتيب الأبجدي الدوري الذي اقترحه الشيخ زايد، فرض عليهم استضافة قمة لا يريدونها، ويفضلون عليها القمم الثنائية مع الإيراني أحمدي نجاد أو التركي عبدالله غُل أو العراقي جلال طالباني. بقي السؤال الكبير المتعلق بمستقبل الحكومة والمعارضة إلى حين انتخاب رئيس جديد بعد سنة تقريباً؟ المعارضة اللبنانية مرتاحة جداً إلى وضعها السياسي وإلى تماسكها الداخلي، وإلى التطورات الاقليمية والدولية التي تنبئ بتراجع النفوذ الأميركي. وفي رأي العماد ميشال عون، أن المبادرات الأجنبية والعربية لن تنجح إلا إذا وافق عليها"حزب الله"وحلفاؤه. وهي تتطلع الى مستقبل أفضل بسبب تعثر المشروع الأميركي في العراق وفلسطين، الأمر الذي يساعدها على تحقيق أهدافها بإسقاط حكومة السنيورة وصوغ علاقات متينة مع سورية وايران. الرئيس السنيورة الذي يتهيأ منذ مدة لتسلم مركز مرموق في مؤسسة مالية عالمية، كان يتوقع من القمة الاسلامية في"دكار"ان تعينه على حلحلة الأزمة قبل انعقاد القمة العربية. وقد سعى مع أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، الى إحياء مبادرة وزراء الخارجية العرب، ولكنه اصطدم بممانعة الدول المتعاطفة مع ايران وسورية. وهكذا قيض له ان يتجاوز الانتكاسة السياسية عن طريق التحذير من تصدع وحدة لبنان إذا ما استمر منصب رئاسة الجمهورية في التآكل والتشظي. وكان يتمنى ان يكرر تحذيره داخل قمة دمشق لإيمانه بأن إهمال المسألة اللبنانية سيعرض دول الجامعة العربية لمخاطر سياسية جمة. ذلك ان لبنان يحتل منزلة العمود الفقري داخل منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً ان مهمة رئيسه المسيحي كانت مساعدة العرب على الاستفادة من دوره المميز. لهذا السبب اقترح الملك فيصل بن عبدالعزيز في قمة الجزائر ان يمثل العرب الرئيس الماروني سليمان فرنجية في دورة الأممالمتحدة سنة 1974. ولهذا امتنعت كل الصحف الأميركية عن نشر كلمته الموجزة لأنها تمثل نقيض ما يروجه"اللوبي اليهودي"ضد المسلمين. وقد وصف الخطاب الذي كتبه الرئيس شارل حلو بالتعاون مع القيادات الاسلامية اللبنانية، بأنه"احتجاج صارخ يناقض الأكاذيب التي زرعتها الصهيونية في أفكار الغربيين". من هنا مطالبة الدول العربية، بالإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية الموحدة، قبل ان يتحول الوطن الصغير الى نسخة ثانية عن أزمة كوسوفو وصربيا... * كاتب وصحافي لبناني