"لن تستغرق مكافحتهم منَّا، أكثر من 24 ساعة"، هكذا علَّق الرئيس التركي الراحل، ورئيس الوزراء وقتئذ، تورغوت أوزال على العمليَّة العسكريَّة الأولى التي قام بها حزب العمال الكردستاني في 15/8/1984، إيذاناً ببدء كفاحه المسلح. ثم قالوا: سننتهي منهم، خلال هذا الصيف، خلال هذا الربيع، خلال هذه السنة، وهكذا دوليك، إلى أن تحوَّلت ال24 ساعة إلى 24 سنة، وتركيا تعيش حالة حرب مع أكرادها كلفتها سنوياً 7 مليار دولار، وأكثر من 300 مليار دولار تقريباً، خلال تلك السنين، عدا الضحايا البشريَّة من الجانبين. بعد التصريح الآنف لأوزال بتسع سنوات، تيقّن الرجل من لا جدوى الحرب وعبثيَّة الخيار العسكري في حسم الملف الكردي التركي، فرجَّح الرئيس الراحل أوزال خيار الحل السلمي، وطلب من الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني التوسُّط بينه وأوجلان، فوافق الأخير، وأعلن عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد في آذار مارس 1993، إلا أن أوزال توفِّي بشكل مفاجئ وغامض. وبادر نجم الدين أربكان الى التلميح للكردستاني برغبته في حل الصراع سلميَّاً، إلا أن تجَّار الحرب في تركيا من ساسة وعسكر، أقصوا أربكان، وحظروا حزبه، ومنعوه من مزاولة السياسة سنة 1997، عبر القيام بانقلاب أبيض عليه. كما كان متوقَّعاً، بدأت تركيا حملتها العسكريَّة الواسعة الناطق، والمتعددة الأهداف، في كردستان العراق، واختارت لها"الشمس"عنواناً. وبعد افتضاح أمر الاجتياح العسكري، عبر التصريحات والمقالات والتحليلات الصحافيَّة، بدأت الحكومة والجيش التركيين، باجتياحها للإقليم الكردي، في 22 شباط فبراير 2008، بغية إضفاء صفة"المباغتة"على حملتها، وإكسابها عنصر"المفاجأة"، ظناً أن العمال الكردستاني لم يحضّر نفسه لهكذا حملة، منذ سنوات خلت. فالحوارات التي أجرتها صحفية"الحياة"مع أبرز قيادات العمال الكردستاني مراد قره إيلان 31/8/2007، باهوز أردال 3/11/2007 وجميل بايك في 10/2/2008، كلها كانت تشير إلى أن المقاتلين الكرد كانوا يتوقَّعونها، وقد احتاطوا لها، وهيَّأوا أنفسهم لمواجهتها جيّداً. أيَّاً يكن، فقد رجَّحت تركيا خيار الحرب، وينبغي أن تكون جاهزة لتحمُّل النتائج والأكلاف، على الصعد كافة. ما يسجَّل لأردوغان في هذا الاجتياح، الخامس والعشرين لهذه المنطقة، منذ 1982 ولغاية 2008، هو الشراكة الأميركيَّة - الإسرائيليَّة المباشرة والفاعلة ضمنها، والصمت الأوروبي والروسي عنها، وتواطؤ حكومة المالكي، وجهات كرديَّة عراقيَّة فيها، وهذا ما ستكشفه الأحداث، خلال الأيَّام القادمة. لقد قرأ الساسة والعسكر التركي الضوء الأخضر للبدء باجتياح كردستان العراق، عقب لقاء بوش - أردوغان يوم 5/11/2007 في البيت الأبيض، واعتبار واشنطن العمال الكردستاني عدوَّاً لها، ومدّ تركيا بالدعم الاستخباري في هذه العمليَّة العسكريَّة، قرأ الأتراك هذا الانفراج المفاجئ والسريع والنشط في العلاقات التركيَّة - الأمريكيَّة على أنه نصر، وأن صفحة الخلاف الناشب سنة 2003، على خلفية احتلال العراق وتبعاته، قد طويت، وعادت الحرارة والدفء لهذه العلاقات، بعد فتور دام خمسة أعوام. ولم يحاولوا قراءته من زاوية مخالفة، على أنه جرّ لتركيا الى حروب داخليَّة وإقليميَّة، خدمة للمشاريع الأميركيَّة في المنطقة. فواشنطن دعمت صدام حسين لثمانية أعوام ضدَّ طهران، وحتى في حربه على أكراد العراق أيضاً، كانت داعمة له. لكنها تخلَّت عنه، وورَّطته في غزو الكويت، وباشرت حربها عليه من الكويت، حتى أطاحت نظامه في نيسان ابريل 2003. وعندما يتعلَّق الأمر بالأكراد، تتنحَّى قيم الديموقراطيَّة والسلام والتآخي وحقوق الإنسان جانباً. يقولون: فلينزع الكردستاني سلاحه دون قيد وشرط، وهم يرون كيف يهاجم الشعب الكردي بالطائرات والمدافع والدبابات. إن الدفاع عن النفس حق مقدس، والأكراد يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم. مآل القول: منذ 25 سنة وتركيا تبكي أبناءها أكراداً وأتراكاً. والأكراد أكَّدوا مراراً أنهم دعاة حياة حرَّة كريمة، ضمن تركيا ديموقراطيَّة، وأعلنوا وقفاًَ لإطلاق نار من جانب واحد خمس مرات منذ 1993 حتى 2006، إلا أن الجانب التركي مصمم على خيار الحرب. ويبدوا أن الأيَّام القادمة، تخبِّئ لتركيا الكثير من المآسي، التي يخشى أن تجعل هذا البلد يبكي دماً. حينئذ، ليعلن الجنرال رجب طيّب أردوغان انتصار مشروعه الإسلامي المعتدل، تحت"شمسه"القاتلة، وعلى ركام جمهوريَّة كانت تسمَّى تركيا. * كاتب كردي