لعل إسرائيل مثال على صدق المقولة الأميركية"إنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت". إسرائيل خدعت كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، إلا أنها في النهاية افتضحت كدولة احتلال وإرهاب المؤسسات. الأميركيون كانوا أول من خُدع بإسرائيل، ولا يزال هناك مخدوعون كثر مع طغيان الإعلام الموالي ولوبي إسرائيل، غير انني بدأت أرصد في السنوات الأخيرة انتقاداً متزايداً لإسرائيل وسياستها، وجرائمها بحق الفلسطينيين واللبنانيين، وتحريضها على العرب والمسلمين، ومطالبتها بحرب على إيران حتى بعد أن قال 16 جهاز استخبارات أميركياً إنها أوقفت برنامجها النووي العسكري عام 2003. كنت قبل أيام أقرأ مقالاً بعنوان"مزيد من النصح العسكري من المحافظين الجدد"كتبه جيم لوب، وهو صحافي أميركي اختصاصه السياسة الخارجية، ويعرف المحافظين الجدد معرفة واسعة عميقة ساعدتني في متابعة أخبارهم. وهو كتب أن أحد غلاة المحافظين الجدد ماكس بوت انتقد الأميرال وليام فالون، رئيس القيادة المركزية، وفضّل عليه الجنرال ديفيد بيتريوس، قائد القوات الأميركية في العراق، ناسباً اليه فضل نجاح زيادة القوات الأميركية، وناسياً، أو متناسياً، أن الأول رئيس الثاني، وإن كان هناك من نجاح فهو من نصيب الاثنين، وقال لوب إن سبب الحملة على فالون أنه لم يبدِ حماسة لمهاجمة إيران بعكس بيتريوس. مقال لوب لم يذكر إسرائيل بالاسم، ولكن قرأت في تعليق القراء عليه في الانترنت حملات على إسرائيل من نوع: - ماكس بوت مولود في الخارج، أحمق وداعية حرب. - بيتريوس أحمق، وهو دائماً مستعد لخدمة إسرائيل، وينسى السفينة ليبرتي سفينة التجسس التي هاجمتها طائرات حربية إسرائيلية خلال حرب 1967. - أتمنى لو أن جميع الأميركيين، أو حتى نصفهم، يعرفون كيف يسيطر الذين يقدِّمون إسرائيل على السياسة الأميركية ويدعون الى الحرب شرط ألا يشتركوا فيها. نحن نقول هذا دائماً، ولكن الفارق هنا أن القائلين يحملون أسماء أميركية خالصة. في مقال آخر تحت العنوان"اضربوا اضربوا اضربوا إيران؟"تناول سكوت ماكلاود إصرار نورمان بودهوريتز، وهو من أحقر المحافظين الجدد وأكثرهم عنصرية ضد العرب والمسلمين، على أن تهاجم الولاياتالمتحدةإيران، مكرراً رأيه المسجل السنة الماضية، على رغم صدور تقرير الاستخبارات الأميركية عن توقف البرنامج النووي العسكري الإيراني. كانت هناك تعليقات كثيرة على المقال، ودافع بعض أصحاب الأسماء اليهودية عن بودهوريتز، ولكن كانت هناك تعليقات أخرى: - من يهمه بودهوريتز وأمثاله من المتحالفين مع لوبي إسرائيل؟ انهم غير مهمين، ويبالغون في تصوير الخطر، ويكذبون على الشعب الأميركي. - أتمنى لو أن أحداً ما يرسل صاروخاً بين عيني نورمان بودهوريتز وبقية المحافظين الجدد أي اليهود. والكلمتان بين القوسين من القارئ. - ان الصهيونيين هم سبب طرد اليهود الأبرياء من كل بلد أقاموا فيه عبر التاريخ. انهم يدعون انهم مضطهدون وهم الذين يضطهدون. - أرجو أن يدرك الإيرانيون من يدفع الولاياتالمتحدة نحو الحرب على إيران، وان يوجهوا هجماتهم الإرهابية ضد بودهوريتز وأمثاله الذين بدأوا الحروب لا الشعب الأميركي. - بودهوريتز إرهابي يهودي. مرة أخرى، كان هناك كثيرون دافعوا عن بودهوريتز، إلا ان الحملة عليه وعلى المحافظين الجدد تناولت إسرائيل باسمها، والمتطرفين الذين يؤيدونها من اليهود الأميركيين. ثم هناك قصة المترجمة سيبل ادموندز التي ترجمت ل"أف بي آي"عن التركية والفارسية مخابرات هاتفية رصدتها الأجهزة الأميركية. وهي اكتشفت أن لوبي تركيا الذي أُسس عام 1994 كان على غرار اللوبي اليهودي المعروف، ووراءه بعض أشهر المحافظين الجدد، أو أسوأهم، مثل ريتشارد بيرل ودوغلاس فايث، ووجدت ان هناك تجسساً وتكتماً على التجسس، وتهريب معلومات نووية أميركية وتواطؤ اللوبي الإشارة الى تركيا سبقت كثيراً حكومتها الوطنية الحالية برئاسة رجب طيب أردوغان. ومرة أخرى تناول كثيرون دور إسرائيل بتفصيل. أكتب وأمامي كتاب طلبته بعد أن قرأت عروضاً له، ولم أقرأه بعد، هو"كانوا يعرفون انهم مصيبون: صعود المحافظين الجدد"من تأليف جاكوب هايلبرون، وهو يعترف صراحة بأن حركة المحافظين الجدد"ظاهرة يهودية تعكس اهتمامات اليهود". المحافظون الجدد ليسوا كل اليهود، فالغالبية العظمى من هؤلاء وسطية ليبرالية، وقد رأينا جماعات السلام الإسرائيلية تساعد الفلسطينيين وتقدم لهم الماء والغذاء وهم ينتقلون الى مصر عبر الثغرات في الجدار مع قطاع غزة. غير أن الأقلية المتطرفة التي خطفت السياسة الخارجية الأميركية وخططت للحرب على العراق، وتسعى الى حرب أخرى على إيران، لم تعد قادرة على إخفاء تآمرها على مصالح أميركا، وتضحيتها بأرواح الأميركيين، خدمة لأمن إسرائيل المزعوم. وهكذا بدأنا نقرأ تعليقات أميركية خالصة على الأخبار تقول ما قلناه نحن من 40 سنة أو 60 سنة وحتى اليوم.