وضعت السلطات الفرنسية أمس اتفاق التعاون العسكري القائم بينها وبين تشاد قيد التنفيذ، فيما كلف الاتحاد الأفريقي الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نغيسو والزعيم الليبي معمر القذافي مهمة"ايجاد حل تفاوضي للأزمة الراهنة"في تشاد، بعدما سيطر المتمردون التشاديون على العاصمة نجامينا أمس، ومحاصرتهم الرئيس ادريس ديبي في مقر الرئاسة، إثر مواجهات مع القوات النظامية استمرت اكثر من ثلاث ساعات. وقال مصدر عسكري تشادي إن"المدينة بأسرها باتت تحت سيطرة المتمردين، ولم يعد هناك الا معارك تطهير"، مشيراً الى ان الرئيس ديبي"لا يزال في المقر الرئاسي". ترافق ذلك مع أعمال نهب وتخريب فور وصولهم، وفق ما افاد مسؤولون في اجهزة امنية تابعة لمنظمات دولية. وشوهد دخان اسود يتصاعد في قطاع المقر الرئاسي، من دون ان يعرف مصدره تحديداً. وقال شهود ان المتمردين احتلوا سجن نجامينا وأطلقوا سراح السجناء جميعاً. وتحوّل اطلاق النار الكثيف الذي سمع قبل الظهر إلى متقطع. وقال شهود ان السكان في بعض الأحياء رحبوا بوصول المتمردين الذين يجوبون العاصمة في شاحنات صغيرة مرقطة، وهم يرتدون بدلات خضراء، ويضعون عصبات بيضاء على اذرعهم. وبحسب مصدر عسكري تشادي، فإن رئيس اركان الجيش التشادي داود سمعان قتل في مساغيت شمال نجامينا أول من أمس، في اولى المواجهات بين المتمردين والقوات الحكومية. وفي وقت سابق، أفاد مصدر في الجيش الفرنسي، الذي يحتفظ بطائرات ميراج وحوالى الف جندي متمركزين في تشاد بموجب اتفاقية دفاعية ثنائية، بأن حوالى ألفي متمرد تشادي موزعين على ثلاث قوافل، دخلوا نجامينا أمس، وتواجهوا مع القوات النظامية، ولا سيما قرب القصر الرئاسي. وأوضح المصدر ذاته ان المتمردين الذين جاءوا في سيارات رباعية الدفع، مجهزون برشاشات وقاذفات صاروخية ورشاشات كلاشنيكوف. وقال القومندان كريستوفر برازوك من هيئة اركان الجيوش الفرنسية ان"150 جندياً وصلوا صباحاً من ليبرفيل، مما رفع الى 1450 عديد الجنود الفرنسيين"في تشاد في اطار قوة ايبرفييه. تحرك فرنسي في باريس، أفاد الناطق باسم الرئاسة الفرنسية دافيد مارتينون، أن الرئيس نيكولا ساركوزي أجرى صباح أمس اتصالاً هاتفياً مطولاً مع نظيره التشادي، لم يكشف عن مضمونه. جاء الاتصال عقب اجتماع صباحي عقد في قصر الإليزيه، هو الثاني من نوعه منذ أول من امس، وضم إضافة الى ساركوزي وزيري الخارجية برنار كوشنير والدفاع إدغار موران، ورئيس أركان الجيش الفرنسي الجنرال جورجو لان، والمسؤولين في هيئة الأركان الخاصة بالرئاسة. ونقل مارتينون عن ساركوزي قوله خلال الاجتماع، إن كل الإجراءات اتخذت لضمان أمن الرعايا الفرنسيين في نجامينا. وأعقب الاجتماع التقويمي الذي عقد حول ساركوزي في قصر الإليزيه، تدعيم قوة"ايبيرفييه"في تشاد، وقوامها 1100 عنصر، بحوالى 126 عنصراً إضافياً، نقلوا من ليبرفيل عاصمة الغابون. وصرح وزير الدفاع الفرنسي، بأن السلطات الفرنسية فضلت اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية رعاياها في تشاد، من دون أن يعني ذلك أنهم والرعايا الأوروبيين عرضة للخطر. وأضاف موران أن فرنسا قررت وضع اتفاق التعاون العسكري القائم بينها وبين تشاد قيد التطبيق، مشيراً الى أن"ديبي هو رئيس تشاد"، ولا بد للسلطات الفرنسية من العمل على ضمان استمرارية الحكم الشرعي التشادي، إضافة الى حسن سير المؤسسات. ولم يدل موران بمزيد من التفاصيل، علماً أن اتفاق التعاون العسكري الفرنسي - التشادي ينص على تقديم دعم لوجستي واستخباراتي للقوات التشادية، وهو اتفاق قائم منذ سنة 1986. ويسود بعض الأوساط الفرنسية تخوف من تورط فرنسي في المأزق التشادي، كما تتساءل هذه الأوساط عن مصير قوة"يوفور"الأوروبية التي كان من المرتقب نشرها على الحدود المشتركة مع دارفور. وتمكنت فرنسا بعد صعوبات من إقناع الدول الأوروبية بضرورة إنشاء هذه القوة ونشرها. وعلقت شركة الخطوط الجوية الفرنسية"اير فرانس"رحلاتها اليومية الى تشاد بسبب الأوضاع الأمنية. إجلاء رعايا وطلبت السفارة الفرنسية في نجامينا من رعاياها، التجمع في ثلاثة مواقع من العاصمة التشادية، استعداداً لإجلائهم بواسطة طائرة نقل عسكرية فرنسية. وأكد مسؤول في تحالف المتمردين ان المتمردين سيلتزمون"القواعد الدولية"في ما يتعلق بالاجانب. وقال اباكار توليمي:"نطمئن جميع الاجانب اننا سنحترم كل القواعد الدولية المرعية في ما يتعلق بحماية الاجانب الفرنسيين، وغير الفرنسيين". وطلبت السفارة الاميركية من مواطنيها الراغبين في اجلائهم التوجه إلى السفارة على الفور. في بيروت، كلّف وزير الخارجية والمغتربين المستقيل فوزي صلوخ دوائر الخارجية اللبنانية، الاتصال بسفارات لبنان في الدول المحيطة بتشاد، في غياب وجود سفارة للبنان في العاصمة نجامينا التي دخلها المتمردون. كما طلب منها الاتصال بعدد من الدول الصديقة التي لها سفارات في نجامينا، لا سيما فرنسا، والطلب اليها العمل على مساعدة اللبنانيين ومعاملتهم كرعاياها في حال اقتضى الأمر. وتبلغ صلوخ من سفير لبنان في فرنسا بطرس عساكر، انه اجرى اتصالاً مع السلطات الفرنسية وتم البحث في امكان مساعدة اللبنانيين في نجامينا، وإجلائهم. وأبلغته السلطات الفرنسية استعدادها لذلك، وان طائرات فرنسية ستتوجه الى تشاد لإجلاء الرعايا الفرنسيين، ستعمل ايضاً على اجلاء اللبنانيين. الاتحاد الأفريقي وفي ختام قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا أمس، كلف الزعماء الافارقة كلاً من الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نغيسو والزعيم الليبي معمر القذافي مهمة"ايجاد حل تفاوضي للأزمة الراهنة"في تشاد، على ما جاء في البيان الختامي للقمة. وأضاف البيان ان"الجمعية طلبت من رئيس جمهورية الكونغو دنيس ساسو نغيسو والزعيم الليبي معمر القذافي الإشراف على جهود تهدف الى ايجاد حل تفاوضي للأزمة الراهنة بالتنسيق مع الرئيس الحالي للاتحاد الافريقي ورئيس مفوضيته". ودان القادة الافارقة في البيان"بشدة الهجوم الذي شنته مجموعات مسلحة على الحكومة التشادية"، مطالبين"بوضع حد فوري لتلك الهجمات وما ينجم عنها من اراقة دماء". وقبل ذلك، اعرب الرئيس الجديد لمفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ الغابون عن"قلقه البالغ"مما يجري في تشاد، مذكراً بأن الاتحاد الافريقي لن يقبل"تغييرات في الحكم بطريقة مخالفة للدستور". ودان الزعيم الليبي معمر القذافي المتمردين التشاديين، وقال على هامش قمة الاتحاد الافريقي في اثيوبيا، ان ديبي"انتخب في شكل ديموقراطي عام 2006 وهو السلطة الشرعية في تشاد"، مشيراً الى أن ما يحصل هو"انتهاك كبير". جاء ذلك فيما قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي على هامش القمة الأفريقية، ان ايران وجهت الدعوة الى زعيمي تشاد والسودان لإجراء محادثات. وأضاف:"أمس... أجريت اتصالات مع أصدقائنا التشاديين والسودانيين، ونعتزم عقد قمة ثلاثية في طهران".