حينما يطغى الأسلوب الشاعري على بنية النص تتحفز المخيلة لاستحضار الصور بكل ما تحمله من إيحاءات سواء كانت باذخة في شقائها أو متبرعة بأفراحها وتجعل القارئ يعيش لحظات عابرة تنتهي بانتهاء النص.پأما الكتابة عن الأمم والحضارات بالنفس الشاعري فهي قدرة لا تتوافر إلا لقلة من البشر تجعل المرء يعيش حالاً استثنائية من الصفاء الذهني والروحي حتى بعد الانتهاء من القراءة. إنها انسيابية الروح الشاعرة المولعة باقتناص المفردات الغائرة في جسد الذاكرة وتلميعها كلآلئ مكنونة في أعماق اللغة استعصت على الكثير من روادهاپممن ألبسوا الكلمة عصارة أفكارهم وجوهر قناعاتهم تودداً للغة مترفةپبشاعريتها الفارهة. يتوق الإنسان المعاصرپالى الولوج في أعماق ذاتهپلينعم بالوئام الداخلي هرباً من صخب الحياة المدمر لإنسانيته المطمورة تحت أنقاض الضغوط الاجتماعية المتعددة, فهو في أمس الحاجةپلاكتشاف عوالمه الداخلية بكل متناقضاتها ليفهم ذاته ويختبرها بالمواجهة والمصارحة المتجردة من كلپالحواجز الحسية وليقضيپلحظاتپحالمة في ضيافتها على رغم تكالب الظروف عليهاپبكل منغصاتها, ولا يتحقق هذا الولوج إلا حينما تزخر الكتابة عن الأمم البائدة والحضارات السالفة بشاعرية مفرطة تضفي عليها شيئاً من"النوستالجيا"لتتسع المخيلة لاحتوائها واستحضار الأمكنة. وشتان ما بين ان تعيش لحظات عابرة تنقضي مع نطق آخر حرفپنصي وبين حال تستفرغ بها النفس كل تعبها الأزلي لتجد لذة غائبة عن يومياتها في محيطها الممتلئ بالأخبار السيئة. ان الإنسان العربي هو أحوج كائن على هذه الأرضپلغسل روحه المثقلة بالخيبات السياسيةپوالاقتصادية والاجتماعية بانفراده بذاته لمداواتها من الجراح الغائرة في أعماقها، وهو امر لن يتحقق إذا لم يخض تجربة قراءة الكتابات ذات النفس الشاعري التي تحرض الذات المحبطة على البوح بمكنوناتها، فهي السبيل الوحيد لسبر أغوارها وتجريدها من أحزانها المتراكمة نتيجة الإخفاقات المستشرية فيپعالمها العربي الباعث على التشاؤم والمزدحم بالصراعات في كل مسمياتها العرقية والطائفية والمذهبية مروراً بالوجود الأميركي الإمبريالي وانتهاء بالكيان الصهيوني ذي النزعة الوحشية. عيد موحان الظفيري - عضو الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة - بريد الكتروني