بعد اشهر طويلة من مفاوضات لم تُظهر أي بوادر للتقدم، بدأ الفلسطينيون يدرسون خياراتهم في حال وصول هذه المفاوضات الى طريق مسدود. واحدة من هذه الخيارات هي اعلان الاستقلال من جانب واحد على غرار اقليم كوسوفو، ومنها ايضا وقف المفاوضات التي تستخدمها اسرائيل غطاء لعملية استيطانية تسابق فيها الزمن بهدف خلق حقائق على الارض التي لا تخفي نيتها ضمها في اي حل نهائي. وقال امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه ل"الحياة":"ننتقل من اجتماع تفاوضي الى آخر لنتحدث في الامور الاجرائية من نوع كيف واين سنتفاوض في المرة المقبلة وكم مرة سنتفاوض، وليس في الأمور الجوهرية". واضاف:"في المضمون لا تقدم في المفاوضات، واسرائيل لم تنفذ اياً من التزاماتها، خصوصا وقف الاستيطان، بل على العكس تسرّع من الاستيطان في القدس من اجل اخراج المدينة نهائيا من المفاوضات". واضاف:"اسرائيل تستخدم المفاوضات وسيلة لكسب الوقت حتى نهاية العام، لتأتي بعدها وتعرض علينا إما اعلان مبادئ، او دولة ذات حدود موقتة على ما تبقى من اشلاء ارضنا بعد ان تضم اليها ما تريد". وقال:"يريدون استثناء القدس، ويريدون استثناء الكتل الاستيطانية، ويريدون استثناء اللاجئين، وفي النهاية سيأتون ليقولوا لنا خذوا دولة ذات حدود موقتة الى ان نتوصل الى اتفاق نهائي"، مضيفا:"مثل هذه الدولة ستكون على اشلاء ما تبقى من اراض في الضفة الغربية". وامام تعثر المفاوضات التي يرى فيها الرأي العام الفلسطيني غطاء لتوسع استيطاني سرطاني يتزايد بوتيرة غير مسبوقة في اراضي القدس، فإن القيادة الفلسطينية تجد نفسها مضطرة للبحث عن بدائل. واصدر الرئيس محمود عباس امس بيانا قال فيه:"سنواصل التفاوض مع اسرائيل للتوصل الى اتفاق سلام خلال العام الحالي يشمل قضايا الوضع النهائي بما فيها القدس، لكن اذا تعذر ذلك ووصلنا الى طريق مسدود، فإننا سنعود الى امتنا العربية لاتخاذ القرار المناسب، وعلى اعلى المستويات". وقال عبد ربه:"نحن مع المفاوضات، لكن اذا لم نحقق نتيجة في فترة قصيرة فإننا سندرس خياراتنا، ومنها اعلان الاستقلال من جانب واحد، وعلى العالم والولايات المتحدة مساعدتنا في حماية دولتنا ضد الدولة المعتدية وهي اسرائيل". واضاف:"منذ الآن، علينا ان نشرح الامر للاميركيين كي يتحركوا، ونحن في حال اعلان الدولة المستقلة سنطلب من مجلس الامن ارسال قوات دولية لحمايتنا". واكد ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ستشرع في درس هذه الخيارات في اجتماعاتها القريبة المقبلة. وفي السياق ذاته، اعرب رئيس الوزراء سلام فياض عن تشاؤمة من مستقبل ونتائج العملية السلمية، وقال في لقاء مع عدد من الصحافيين الفلسطينيين في مكتبة امس:"لا توجد غيوم تدل على ان المطر سيأتي"، في اشارة الى عدم وجود بوادر اسرائيلية للتوصل الى اتفاق سلام. واضاف:"الامور لا تسير وفق المطلوب، واسرائيل لا تفي بأي التزامات حتى الصغيرة منها"، مشيرا الى ازالة الحواجز ووقف الاستيطان. واعرب عن قلقه الشديد من استمرار النشاط الاستيطاني، مشيرا الى ان هذا النشاط سيتراكم ويمتد في حال تأخر وصول الحل. وقال ان اسرائيل تعيق وتعرقل وتدمر خطط حكومته لاعادة الامن والنظام في الضفة، مشيرا الى الاجتياحات المتكررة للمدن التي تعمل فيها حكومته على حفظ الامن والنظام"والتي تحولت الى نمط". وابدى فياض حماسه لتفعيل اللجنة الثلاثية الاميركية - الفلسطينية - الاسرائيلية لمراقبة تطبيق الجانبين التزاماتهما بموجب المرحلة الاولى من"خريطة الطريق"، وقال:"خريطة الطريق تنص على وقف الاستيطان بما فيه النمو الطبيعي في المستوطنات، والجنرال الاميركي وليام فريزر الذي سيرأس اللجنة هو شخصية مهنية عسكرية، وسيعمل على توثيق كل خرق اسرائيل حتى لو كان بناء شقة واحدة في المستوطنات". واتفق عباس ورئيس الوزراء ايهود اولمرت في لقائهما ليل الثلثاء - الاربعاء على تفعيل اللجنة الثلاثية التي اتفق على تشكيلها في مؤتمر انابوليس. وتضم اللجنة الى جانب فريزر، كلا من فياض ووزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك. ... واسرائيل تندد وتستهجن من جانبها، قالت أوساط سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى إن"أقل ما يقال"في تصريحات عبد ربه أنها"مستهجنة لا ترتكز إلى شيء"، فضلاً عن أنها تتعارض والمواقف التي يطرحها طاقم المفاوضات الفلسطيني. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الفلسطينيين يطالبون كل الوقت بشرعية دولية"لكن خطوة كالتي يطرحها عبد ربه تبعدهم مسافة كبيرة عن الحصول على هذه الشرعية". وأبرزت وسائل الإعلام العبرية"الردود الفاترة"على تصريحات عبد ربه الصادرة عن الرئيس محمود عباس ورئيس الطاقم الفلسطيني المفاوض أحمد قريع أبو علاء. وقال مسؤول آخر لصحيفة"معاريف"إن إسرائيل لن تقبل بإعلان استقلال فلسطيني و"لا يمكن للفلسطينيين أن يسمحوا لأنفسهم بالانحراف عن العملية السياسية الثنائية والمعقدة عبر القيام باستفزاز دولي". وأضاف آخر أن جميع مركبات الدولة الفلسطينية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإسرائيل بدءا بالتعاون الأساسي في قضايا الحدود والضرائب وانتهاء بتوزيع الموارد مثل الطاقة والمياه وتوزيع الأعباء الأمنية. وتابع أن الفلسطينيين لن يقدروا على تصريف أمورهم في أي من القضايا المطلوبة من دولة مستقلة من دون الاستعانة بإسرائيل،"ولذا فإن خطوة إعلان استقلال ستكون استفزازية ومحاولة لخلق رأي عام في اتجاه معين، ليس أكثر من ذلك... إنهم يدركون أن مثل هذه الخطوة ستعتبرها إسرائيل كسْر أوانٍ تاماً سيقود إلى وقف العملية السياسية".