احتضنت جامعة لندن - مركز الدراسات الشرقية والأفريقية في الذكرى المئوية لولادة الملحن العراقي صالح الكويتي، حفلة فنية قدمت خلالها محاضرة عنه وعُرض فيلم وثائقي وأمسية موسيقية. بدأت الاحتفالية بمحاضرة عنوانها"صالح الكويتي الأب والإنسان والملحن"قدمها ابنه سليمان الكويتي وتناول فيها حياة أبيه الفنية، وفسر الكثير من الظواهر التلحينية في أعماله. وذكّر ببعض النوادر منها حينما سأل أبيه عن سبب الحزن في الأغنية العراقية فأجابه بأن العراقيين"يسمعون بقلوبهم وليس بآذانهم، والبكاء وسيلة للفرح لديهم بخلاف شعوب الأرض ربما لأن أرضهم تختلف". وعن"حكايات الأغاني العراقية وأغاني صالح الكويتي"، قدم الكاتب والقاص خالد القشطيني محاضرة تحدث فيها عن فترة الخمسينات من القرن العشرين وعلاقة المجتمع العراقي بالأغنية وكيف جسد الناس الانغلاق في المجتمع واستخدموا أسلوب البوح عن طريق الشعر والأغنية. وقال ان واحدة من أغاني الكويتي كانت كتبت بعدما هجرته حبيبته زكية جورج إحدى المغنيات في ذلك الوقت، والأغنية هي"الهجر ليس عادة غريبة". أما الفيلم الوثائقي فكان مناقشة بين خبير المقام العراقي باهر هاشم الرجب، والمشرف على الاحتفالية أحمد مختار، والمؤرخ والكاتب حزقيل قوجمان الذي عاصر الكويتي فترة من حياته. وتضمن الفيلم مشاهد من حفلة تعود إلى عام 1980 بقيادة صالح الكويتي على الكمان وغناء المطربة نجاة لأهم ألحانه التي غنى هو نفسه بعضها بمرافقة الفرقة. حفلة موسيقية وقبل بدء الحفلة الموسيقية، قدّمت جائزة تقديرية لسلمان الكويتي ابن صالح الكويتي الأصغر الذي حضر للمشاركة، وهي عبارة عن درع الاحتفالية عليه رمز لكمان وعود وخريطة للعراق قدمت باسم الجامعة وفريق العمل المرافق له. وقدمت"فرقة بغداد"، التي تكونت من جميل الأسدي على القانون وطاهر بركات على الكمان وحسين الزهاوي على الدف وعلي الخفاجي على الإيقاع والرق - وهم موسيقيون تخرجوا من معاهد العراق، ومتخصصون بالموسيقى التراثية العربية والعراقية -، فقرة موسيقية من التراث العراقي. وشارك في الاحتفالية قارئ المقام العراقي إسماعيل فاضل المعروف بعدم التزامه بكل تفاصيل قراءة المقام وأصوله المعقدة، اذ يطرح رؤية مغايرة في الأداء تعتمد على أسلوب التقصير في الأداء المقامي يطاولها النقد. لكن محاولات فاضل سرقت قلوب الجمهور وأشعلت القاعة تصفيقاً بعد كل أغنية. وحينما غنى"هذا مو إنصاف"ارتفع التصفيق مرات عدة، و حينما أدى أغنية"الهجر"، ردد الجمهور الأغنية بصورة جماعية، مع حفاظ مدهش على الايقاع. غزارة انتاج نوعت المقام العراقي ولد صالح الكويتي في الكويت عام 1908 لعائلة من أصل عراقي كانت انتقلت من البصرة إلى الكويت في بداية القرن الماضي. وتلقى مع أخيه داوود دروساً في العزف والغناء على يد الموسيقي الكويتي خالد البكر. في البداية، تعلما الألحان الكويتية والبحرينية واليمنية والحجازية، ومن ثم تعرفا الى الموسيقى العراقية والمصرية بالاستماع إلى الاسطوانات. كان صالح الكويتي ماهراً في العزف على الكمان، واستغل الأخوان وجودهما في البصرة لتوسيع مداركهما في أصول المقام العراقي وتفرعاته. وفي عام 1929 قررا الانتقال نهائياً إلى بغداد حيث اقترحت المطربة العراقية سليمة مراد على صالح أن يلحن بعض الأغاني لها، فأخذ قطعاً شعرية من الشاعرين عبد الكريم العلاف وسيف الدين ولائي، ولحن في فترة قصيرة أغاني عدة منها"قلبك صخر جلمود"،"آه يا سليمة"،"ما حن علي"،"منك يا الأسمر". ولقيت هذه الأغاني إقبالاً من الجمهور ما شجع الكويتي إعطاء التلحين اهتمامه الأول. كان يسافر إلى الكويت لإحياء حفلات للجمهور الكويتي الذي كان لا يزال يكن له الاحترام والتقدير لاهتمام صالح بالتراث الموسيقي الكويتي، وتوفي عام 1986. تميزت عبقرية الموسيقي صالح الكويتي في النصف الأول من القرن العشرين وتلونت ألحانه لتنسجم مع غالبية أصوات المطربين النسائية والرجالية، ما يدل على قدرته التلحينية المتنوعة. كان غزير الإنتاج وقدم مئات الأغاني كما جاء على لسانه في الفيلم الذي عرض في الاحتفالية. وكان يعد أكثر من خمس أغان في العام لكل مطرب على كثرتهم وتنوعهم، ما خلق أنماطاً جديدة في أغاني المقام العراقي وأخرجه من انغلاقه ومزج بينه وبين الأغنية المدنية"المودليشن"أي التحول المقامي بالانسجام والتناسق. عمل مع شقيقه المغني داود وعازف العود، وأثريا بعملهما الموسيقى في العراق وأصبحا من مؤسسي الفرقة الموسيقية للإذاعة العراقية. نشر في العدد: 16683 ت.م: 07-12-2008 ص: 27 ط: الرياض