في موازاة التهديدات التي أطلقها أمس أركان الدولة العبرية بمواصلة العدوان على قطاع غزة وتوسيع رقعته، تحدثت تقارير صحافية عن صراعات داخل القيادة الإسرائيلية على خلفية أصوات ترتفع مقترحة وقف العدوان،"بعدما نفد بنك الأهداف لدى الطيران الحربي وبعد أن فقدت إسرائيل عنصر المباغتة". كذلك خفت لهجة الغطرسة التي ميزت عناوين الصحف ومقالات المعلقين البارزين. وبات عدد منهم يدعو إلى وقف العمليات العسكرية والبحث عن مخرج سياسي يتيح لإسرائيل فرض تهدئة جديدة في القطاع بشروطها. وأعلن رئيس الحكومة المستقيل إيهود أولمرت خلال إطلاعه أمس الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على آخر التطورات الميدانية في القطاع أن"العملية العسكرية في القطاع في أوجها... والآن تجري المرحلة الأولى من مجموع مراحل أقرتها الحكومة الأمنية المصغرة". وأضاف أن المستوى السياسي يمنح الدعم التام وهامش التحرك للجيش الإسرائيلي ليواصل تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة. وكان أولمرت أصدر تعليماته في ختام جلسة مشاورات مع وزيري الدفاع إيهود باراك والخارجية تسيبي ليفني وقادة الأجهزة الأمنية المختلفة، إلى الجيش بمواصلة عملياته من دون تحديد وقت لإنهائها. ونقلت عنه وسائل الإعلام العبرية تأكيده خلال الجلسة أن إسرائيل ستتعامل بيد من حديد مع"حماس"وب"قفازات من حرير"مع سكان القطاع،"وستهتم بتزويدهم مساعدات إنسانية"، كما نقلت صحيفة"يديعوت احرونوت"عن أولمرت رفضه الاقتراحات الدولية المختلفة لوقف النار. من جهته، ادعى رئيس المخابرات العامة يوفال ديسكين خلال الجلسة أنه"يمكن ملاحظة ارتياح"لدى سكان القطاع من الضربات العسكرية الإسرائيلية لحركة"حماس". وأشار المشاركون في الجلسة إلى غياب ضغط دولي"استثنائي"على إسرائيل، بل قال بعضهم إن"زعماء في العالم يثمّنون ضبط النفس الذي أبدته إسرائيل قبل أن تطلق عمليتها العسكرية الحالية". وادعت جهات استخباراتية أنّ"حماس"شرعت في الطلب من دول كثيرة وقف النار،"ما يدل على أنها في أزمة". وكرر باراك أمس التهديد بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية ستتواصل"بقدر ما يتطلب الأمر ذلك"وحتى تتوقف"حماس"عن إطلاق القذائف الصاروخية على جنوب اسرائيل. وأضاف خلال جولة له في مدينة اشكلون المجدل التي تعرضت لقصف فلسطيني، أن الجيش يواصل نشر قواته في محيط قطاع غزة، لكنه رفض الحديث عن الإجراءات العسكرية المقبلة، وعما إذا كانت العملية البرية وشيكة. وتابع أن إسرائيل"ستلجأ إلى كل الوسائل المتوفرة لإعادة الهدوء إلى بلدات الجنوب". وتوجه الى سكان هذه البلدات بنداء لتحمل الصواريخ، وقال:"سنشهد مزيدًا من الأيام العصيبة تختبر فيها قدرة المواطنين على الصمود". وقال نائب وزير الدفاع ماتان فيلنائي للإذاعة العسكرية أمس:"نحن مستعدون لقتال طويل ولأسابيع من المعارك". وأضاف أن"حماس"ما زالت تملك مئات الصواريخ،"لكنها تضعف يوماً بعد يوم، ونحن نريد تحقيق تغيير جوهري في الوضع الأمني في جنوب إسرائيل". وما زالت"العملية البرية"التي تهدد إسرائيل بشنها مثار جدل بين مؤيد ومعارض، على رغم البيانات الرسمية الصادرة عن الجيش التي تتحدث عن أن القوات البرية جاهزة للتوغل،"عندما يختار المستوى السياسي التوقيت الملائم". وذكر المعلّق السياسي في صحيفة"هآرتس"ألوف بن أن ثمة صراعات داخل القيادة الإسرائيلية في شأن مدة العملية وطبيعتها. وكتب أنه مقابل موقف جهات أمنية تدعو إلى مواصلة الحرب على القطاع لثلاثة أو أربعة أسابيع، فإن ثمة من يقدر في وزارة الخارجية أن"الساعة الرملية السياسية ستوقف إسرائيل في وقت مبكر أكثر بكثير". وتابع أن مؤيدي وقف العملية يبرّرون موقفهم بنفاد"بنك الاهداف"الذي تم تحديده قبل إطلاق الحرب، وبأن"الحلول السحرية"الجوية التي لا توقع الخسائر في الجانب الإسرائيلي بلغت منتهاها وأن الضربة الشديدة الأولى والمفاجئة انتهت و"النجاحات العسكرية أصبحت تثير الإعجاب بقدر أقل والعدو بدأ ينتعش". ولفت إلى حقيقة أن الحرب تدور عشية انتخابات برلمانية. وكتب أن"الرابح السياسي الواضح هو باراك الذي تتعزز شعبيته في هذه الأثناء على حساب ليفني"زعيمة حزب"كديما". وحملت عناوين صحف أمس نبرة مغايرة لتلك التي جاءت بها في اليومين السابقين وبثت نشوة انتصار. ولم تخف الصدمة التي ألمّت بالإسرائيليين مع بلوغ القذائف الصاروخية الفلسطينية بلدات بعيدة عن القطاع بنحو 30 إلى 40 كلم، وفي مقدمها أسدود التي يقطنها 220 ألف إسرائيلي. وكتبت"يديعوت أحرونوت"في أحد عناوينها أن"الصواريخ الفلسطينية باتت على مسافة 20 دقيقة من تل أبيب". وجاء لافتاً ما كتبه كبير المعلقين في"يديعوت أحرونوت"ناحوم بارنياع الذي كان أول المقرّعين الحكومة على عدم شنها حرباً على القطاع، فدعاها أمس إلى الاتعاظ من الحرب الثانية على لبنان"بإنهاء الحرب في الوقت الملائم". وكتب أن تاريخ الحروب الإسرائيلية"يعلمنا أن بداية ناجحة لا تضمن بالضرورة نهاية ملائمة"، مذكّراً بالفجوة بين بداية الحرب على لبنان وبين نهايتها. وأضاف ان سياسيين إسرائيليين من أصحاب التصريحات العنترية يميلون"من شدة الحماس لرؤية الدخان الأسود في غزة إلى نسيان هدف العملية العسكرية وهو إرغام حماس على الموافقة على وقف إطلاق نار بالشروط الإسرائيلية، وهو الهدف الذي يتفق عليه أولمرت وليفني وباراك. ليس احتلال القطاع ولا التسبب بانهيار حماس". ودعا ثلاثة من أبرز الأدباء في إسرائيل في مقالات نشروها في كبرى الصحف، الحكومة إلى وقف القتال"بعد أن تحقق الردع". وحذّر المعلق العسكري في"معاريف"عميت كوهين من"الوحل"الذي ينتظر القوات الإسرائيلية البرية في القطاع. وكتب أن هذه القوات ستُستقبل بأنفاق وبيوت مفخخة وعبوات ناسفة مزروعة على طول الطريق. وأضاف أن"حماس"نجحت في بناء جيش منظم يتعدى عدد أفراده 20 ألفاً مدربين جيداً. نشر في العدد: 16707 ت.م: 31-12-2008 ص: 20 ط: الرياض عنوان: استمرار العدوان بلا سقف زمني