هل يمكن معرفة المرة الأولى التي وضع فيها نجم غناء صوته على مقدمة مسلسل تلفزيوني عربي؟ وهل هذا التقليد عربي أم سبقنا اليه الغرب، كالعادة؟ وإذا كانت بعض المسلسلات المصرية، والسورية بعد نجاحها عموماً في العالم العربي، قد استقطبت عدداً من نجوم الغناء الأول، فلماذا لا تزال الدراما اللبنانية عاجزة عن أغواء المغنين والمغنيات أبناء صف النجومية؟ ألأنها بالفعل تتخبط في انعدام الشخصية الدرامية الخاصة؟ أم لأن نجوم لبنان المنتشرين عربياً لا يجدون ما يجذبهم الى هذا الموقع التلفزيوني بسبب الإنتاج المقثّر المتقشف أو بسبب اعتبار أنفسهم"أكبر"؟ الأسئلة كثيرة، والأجوبة قليلة، والمقدمات الغنائية في المسلسل اللبناني مقتصرة على أصوات لم تبلغ سن الرشد إلا نادراً لئلا يطيح التعميم بعض الحالات، وكل تعميم ذميم على ما يقول بعض المدققين في الأمور. في مصر، استدرج المسلسل التلفزيوني أصواتاً عالية الاحتراف. من"ليالي الحلمية"الذي صدح في مقدمته المغني محمد الحلو قبل ما يقارب عشرين سنة، وصولاً الى المغنية القديرة أنغام التي أعطت مسلسلاً آخر دفء الأداء العميق قبل سنة من الآن، مروراً بأصوات كثيرة في دراما كثيرة، وكان المغنون والمغنيات يفاخرون أحياناً بأغاني مقدمات المسلسلات التي أدوها، بل تكاد تكون أغنية"ليالي الحلمية"مثلاً أبرز ما أنجزه محمد الحلو في مسيرته على رغم اسهاماته الجدية في حفلات التراث والغناء الخاص معاً، ربما لأن المسلسل نال نصيباً وافراً من النجاح في العالم العربي كله بعد عرضه لأكثر من مرة على الشاشات، وربما لأن كلام الأغنية حكّ على بعض الجروح الاجتماعية والسياسية في مصر الماضي والقريب والحاضر، وربما لأن أداء الحلو أشبع الأغنية عاطفة، وربما لكل ذلك في آن. المهم أن أغنية"ليالي الحلمية"شكّلت فتحاً حقيقياً في شهرة الحلو، وقد تكون في ما بعد هي المقياس الذي رغب بعض نجوم الغناء القياس عليه في بعض مشاركاتهم في بعض المقدمات الغنائية. والتركيز في هذه الزاوية على أغنية"ليالي الحلمية"مقصود لكون الأغنية هي أشهر وأنجح مقدمة غنائية لمسلسل عربي، منذ ربع قرن تقريباً. في سورية، استطاع مسلسل تاريخي جدّي الصناعة والتنفيذ والإخراج إغراء المغنية أصالة فأنشدت في مقدمته بعضاً من قصيدة"أيها المارّون من بين"... لمحمود درويش بصوتها التعبيري المنسوج على لحن درامي مؤثّر. وهناك عدد من المسلسلات الأخرى استقطبت نجوم غناء آخرين لكن لا تزال المسألة في حدود مرسومة. كذلك يحصل في الدراما التلفزيونية المنتجة في بلاد الخليج العربي حيث يُسمع من حين الى آخر صوت لنجم هنا أو هناك في مقدمة غنائية، لكن أيضاً من دون أن يُحدث ذلك الأثر المطلوب أو الأبعد من مسلسل! في لبنان يؤدي بعض بطلات المسلسلات"أدوار"المغنيات في مقدمات غنائية محدودة القوة أو الإبداع الفني. الحاجة قد تكون أمّ اختراع المنتجين الغناء في بعض مقدمات مسلسلاتهم، والبطلة يتسع المجال لها كي تكون مغنية. هكذا كان مع الممثلة نادين الراسي. وهكذا كان مع ريتا برصونا. وهكذا كان مع بعض نجوم التمثيل الشبّان أيضاً. وأن واحداً من نجوم الغناء اللبنانيين المشاهير لم يتجرأ على قبول دعوة دراما لبنانية الى غناء مقدمة مسلسل، ولذلك فإن غالبية أغاني المسلسلات تمر مروراً عابراً قد يعلق في أذهان الناس خلال مرحلة عرض المسلسل، لكنها لا تترك الصدى الحقيقي. وما نقصده ب"الصدى الحقيقي"فيشبه ذاك الذي تركته أغنية مسلسل"بربر آغا"لأنطوان كرباج مثلاً، التي كتبها ولحنها وغناها الفنان الراحل زكي ناصيف أوائل الثمانينات من القرن العشرين وحلّت سعيدة ليس في التلفزيون فحسب، بل في الإذاعات أيضاً، وقد استوحاها الكثيرون من الملحنين في ما بعد فقدموا ألحاناً تقلّدها. طبعاً، لن يكون سهلاً على نجم أو نجمة أغنية من لبنان التخلي عن"بريستيج"النجومية و"مساعدة"مسلسل لبناني إلا اذا حصلت"عجيبة"إنتاجية. وبما أن زمن العجائب ولّى، فقد ولّى معه حب الفنان لاكتشاف"عالم"جديد. إنهم يكتفون ب"العوالم"الغنائية التي احترفوها ويحرّمون على أنفسهم حتى... نسمة الهواء الجديدة أحياناً... إلا اذا تأكدوا من أن أحداً قبلهم قد تنشقها ولم يتسمّم! نشر في العدد: 16706 ت.م: 30-12-2008 ص: 39 ط: الرياض