على امتداد عقود منذ النكبة الفلسطينية التي أدت الى قيام اسرائيل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، تواطأت قوى دولية وصهيونية وعربية على إفقاد الفلسطينيين والعرب مسألة أرض اسمها فلسطين يتم اخفاء معالمها ووضعها في ذاكرة النسيان. يسجل للنضال الفلسطيني في شتى أشكاله انه أعاد فلسطين الى الوجدان وجعل ذاكرتها حية وقضيتها راهنة، لكن ما تعانيه القضية الفلسطينية منذ أعوام من عسر في الوصول الى تسوية، ومن صراعات وانقسامات بين أبنائها، يكاد يكون له مفعول ليس أقل من تحويل فلسطين مجدداً الى مجرد ذاكرة. في الذكرى الستين لضياع فلسطين نظم"اللقاء الثقافي الفلسطيني"ندوة خصصت لاثني عشر علماً من أعلام فلسطين انطلاقاً من كتابات قدمها هؤلاء الاعلام في أشكال مختلفة. اشرف على الندوة وحررها انيس الصايغ سعياً الى انعاش ذاكرة الاجيال الراهنة والمقبلة وجعل القضية حية في الوجدان العربي. يتناول صلاح صلاح في نصه أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد اليماني الذي كتب خمسة مجلدات بعنوان"تجربتي مع الأيام"، أشار فيها الى ان فلسطين جزء من كيان اليماني وظلت تحتل أولوية على اي شيء آخر لديه. في الميادين التي انخرط اليماني فيها بدءاً بالعمل النقابي والتعليم، سعى الى انشاء"جمعية العمال"التي لعبت دوراً مهماً في مواجهة المشروع الصهيوني ? الاستعماري. وامتد نشاطه الى العمل العسكري عندما ساهم في تشكيل"المنظمة العسكرية لتحرير فلسطين". اما سليمان بختي فتطرق الى أنيس الصايغ الذي سبق ونشر كتاباً بعنوان:"انيس صايغ عن انيس صايغ"الذي يصفه بختي بانه يحمل تأريخاً مهماً وتجربة عميقة، اضافة الى كونه يحفر في الذاكرة لإظهار الواقع وتثبيت الحق الفلسطيني في"فضاء الوطن والهوية والتاريخ. وليس استعادتها هنا إلا تمثيلاً للماضي وللحاضر والتأمل بالمستقبل". تناولت بيان نويهض الحوت في مداخلتها كتاب جين مقدسي:"تيتا، وأمي وأنا: مذكرات امرأة عربية"، فقالت إن مقدسي تحمل لفلسطين في ذاكرتها صوراً جميلة ورائعة، وان كتابها هذا يبحث في الحروب المتتالية التي عاشتها، كما يبحث في التقاليد والعادات وأنماط الحياة الفلسطينية، فالقدس كانت تطوف دوماً في خيالها من خلال مجموعة من الروائح:"أنا اشتم رائحة القدس في الياسمين، وفي زهرة البرتقال، وفي ليمونة معصورة، وفي عيدان القرفة في الشراب، وفي الصابون النابلسي من زيت الزيتون وورق الغار الذي كنا نستحم به". يتناول كمال ناجي في نصه كتاب حسين أبو رقبة:"أزهار وأشواك"، ويقدم"معلومات حنونة"عن عكا ومدارسها ونضالاتها، وعن أسماكها وحلوياتها ووحدة أبنائها الوطنية. ويشير الى التهم التي ألحقت بالكاتب مثل محاولة اغتيال حكمت المصري وأحمد الشقيري واعتقاله في الكويت، ثم تعرضه لأكثر من محاولة اغتيال خلال حرب المخيمات في لبنان. أما جابر سليمان فتحدث في مداخلته عن رفعت صدقي النمر الذي كان أصدر كتاباً بعنوان"صفحات من حياتي"، فيتطرق فيه الى ما واجهه النمر في حياته من اعتقال عام 1936 ثم انصرافه الى العمل المصرفي، مع إشارته الى أن هذا العمل لم يبعد النمر عن الانخراط الدائم في العمل الوطني والقومي، بل انه غلّب في معظم مراحل حياته المهنية الالتزام الوطني والقومي على مكاسب الوظيفة وإغراءاتها المادية. كما ان الكتاب يقدم معلومات عما تعرض له النمر من الملاحقات الشخصية بهدف تصفيته خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي لبيروت. تتحدث نجلاء نصير بشور في مداخلتها عن سيرين الحسيني شهيد التي أصدرت كتاباً بعنوان"ذكريات القدس"، حيث تقدم فيه صورة عن طبيعة العلاقات التي كانت سائدة في المجتمع الفلسطيني، لجهة وجود الانفتاح والتنوع بين الطوائف والمذاهب والجنسيات والطبقات، حيث كانت هذه الفئات تتشارك في الزيارات وممارسة العادات والتقاليد السائدة في المجتمع الفلسطيني. كما تشير في الكتاب الى ظاهرة انتشار التعليم في صفوف المرأة الفلسطينية أسوة بالرجل. ويتطرق الياس سحاب الى شفيق الحوت الذي نشر كتاباً بعنوان"بين الوطن والمنفى"حيث يشير سحاب الى نظرة الحوت لقضيتي الزمان والمكان، فالمكان هو فلسطين التي لا عرب من دونها، كما لا فلسطين من دون العرب. أما الزمان فهو لديه رؤيته للقرن العشرين الذي أدت التحولات السياسية التي جرت خلاله الى خروج جميع شعوب الأرض الى الحرية والاستقلال ماعدا الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يعاني من الاحتلال الصهيوني والتجاهل العربي. في مداخلته عن عبد اللطيف كنفاني يتحدث سمير احمد عن كتاب كنفاني بعنوان"15- شارع الرج ? حيفا"، فيقدم صورة عن عالم مدينة حيفا"حيث كان الشأن السياسي مدار بحث في كل اجتماع وندوة. فالهجرة اليهودية كابوس رهيب، يقض المضاجع. الهم الفلسطيني كان هماً جماعياً يعيشه الناس ليلاً ونهاراً. الثورة تلي الثورة، والاضرابات والاقفال مشاهدات مألوفة كما المواجهات مع عساكر السلطة المنتدبة، ومع أربابهم الموعودين بوطن قومي". يشير ميشال جحا الى كتاب نقولا زياده"ايامي"الذي وصف حال اليهود والعرب قبل النكبة، فيصور كيف ان اليهود كانو يتبعون نهجاً همه الأساسي تحويل فلسطين الى دولة يهودية، فيما كانت جهود العرب مبعثرة حيث كانو مكتفين بالمطالبات، وتقوم نزاعات تافهة بين أحزابهم وزعمائهم. أما صقر أبو فخر فيتحدث في نصه عن هشام شرابي الذي نشر كتابين بعنوان"الجمر والرماد، وصور الماضي"الذي يظهر فيه كيف ان شرابي كان يعتقد ان المسألة الفلسطينية هي جزء أساسي من الصراع المحتدم في المنطقة،"لكن الجوهر الأهم هو نهضة الأمة السورية والثورة القومية الاجتماعية، وكان واثقاً جداً بأن الحركة القومية ستنتصر، وان فلسطين ستتحرر". لكن شرابي سيعود لاحقاً الى تعديل نظرته حيث يتبنى الكفاح المسلح والعنف الثوري طريقاً لتحرير فلسطين. يتحدث أديب قعوار عن يوسف شبل الذي أصدر كتاباً بعنوان"عكا: تراث وذكريات"حيث يتطرق فيه بالتفصيل الى سقوط عكا، فيشير الى أن المواجهة اتخذت اشكالاً متعددة مثل النضال العسكري والنضال السياسي وتوعية الناس بمخاطر الصهيونية وحجم الأخطار الناتجة من إقامة المستوطنات واستقبال المهاجرين اليهود من الخارج. كما يشير الى المواطنين العرب الذين رفضوا وقاوموا قرار التقسيم بالإجماع ومباشرة بالمظاهرات والإضرابات. واختتام الندوة كانت مداخلة محمود شريح عن يوسف صايغ وكتابه"مشاهد من سيرة لم تكتمل"، فيتحدث فيه عن علاقته بالحزب السوري القومي وزعيمه انطون سعاده وعن مشاركته في حرب فلسطين عام 1948 وأسره خلالها. نجحت الندوة في تقديم صورة استعادية عن فلسطين من جانبها السياسي والحياة العادية لأبنائها، وهي بهذا المعنى قدمت إحياء لصورة وطن لا يزال يكافح كيلا يطويه النسيان مجدداً. نشر في العدد: 16704 ت.م: 28-12-2008 ص: 32 ط: الرياض