"برهنت الأزمة المالية خطورة تجاهل المؤشرات الواضحة. ممنوع علينا الوقوع في الخطأ ذاته حيال التغير المناخي، اذا اردنا تفادي انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة, بل كارثية، في العقود المقبلة". دقّ المفوض الأوروبي للبيئة ستافروس ديماس، ناقوس الخطر. كلامه نابع من خبرة ومعاناة. جهوده في استنباط خطط لمحاربة التغير المناخي، تُوّجت بانتخابه"مفوّضاً للعام". لأنه يعلم ان ما تعانيه البيئة اليوم هو التهديد الرئيس للتطور البشري، وأن الجهود الدولية المطلوبة لخفض الانبعاثات الضارة لن تنفع، اذا لم تبنَ على اسس موضوعية، تعكس حجم مسؤولية الدول الملَوِّثة، في الأزمة، وقدرتها على المجابهة. ازمة المال كادت تقضي على التفاؤل. وبينما تتبخر الدولارات، تتجمع الغازات الضارة في الجو، سيفاً مسلطاً على الأرض ومَنْ عليها. كثر اكدوا ان الوضع الاقتصادي سيحجب كل المحاولات لوقف التدهور البيئي. على رغم ان انبعاثات ثاني اكسيد الكربون ازدادت 50 في المئة منذ تسعينات القرن الماضي العالم لم يتنبه الى الخطر الا في تلك المرحلة. دب الرعب في قلوب وزراء المال. همهم الأول انقاذ الوضع الاقتصادي. الحفاظ على امبراطوريات الدولار. منع الانهيارات المتتالية، حتى بالاستدانة من الدول النامية اذا وافقت. لكن قام من ينبههم الى لزوم فصل القضية عن السياسة. الى ان خراب البيئة اخطر من ازمة اقتصادية، مهما كبر حجمها. الثانية علاجها ممكن. لكن لا دواء للأولى اذا تفاقمت. هكذا فعل حاكم ولاية كاليفورنيا، ارنولد شوارزنيغر ولايته اتخذت اجرأ القرارات في احترام البيئة. اكد، مدعوماً بخبرة ولايته، ان الحفاظ على البيئة يعزز الاقتصاد. هكذا فعل النائب السابق للرئيس الأميركي، آل غور حائز نوبل السلام لجهوده في هذا المجال مخاطباً مؤتمر بروسنان في بولندا:"فرص التفاؤل اكبر من الأسباب التي تدعو الى الإحباط". في الاتجاه ذاته انتزع قادة الاتحاد الأوروبي، اتفاقاً حول خطة مستقبلية، طغى على النتائج المتواضعة للمؤتمر البولندي. الأخير احبط آمال الدول الفقيرة شارك فيه 9000 ممثل ل 185 دولة، والأول خلق المفاجأة، وكان مرشحاً للفشل. لكن الإثنين معاً رسما ما يشبه خريطة طريق الى كوبنهاغن المنتظرة. من المفارقة قد ينبلج حلّ. في ظل الوضع المالي العالمي، الدول خائفة من الإنفاق. ظنت ان الانخراط عميقاً في اعتماد الطاقة المتجددة يمكنه الانتظار. الوضع على الأرض خالف التوقعات. الإمعان في قتل البيئة يقضي على الحياة، كل حياة. الاستثمار في الطاقة المتجددة لا تنضب، يفتح لها آفاقاً واسعة، وقد يغنيها، في المدى البعيد، عن النفط المرشح للنضوب. اسعاره لن تستمر في الهبوط الى ما لا نهاية. والإنفاق على"الطاقة النظيفة"يؤمّن ملايين فرص العمل، واعتماد المتاجرة بحصص الكربون ابتكار ذكي. الخيار واضح: موت بطيء، او قرار محيٍ... وصعب. الأرقام ترسم وجه الكارثة. مياه البحر تشرب ثاني اكسيد الكربون، فيقضي على الحياة فيها، كما فعل بخُمس شعاب المرجان في بحار الأرض. حرارة الكوكب ازدادت 0,8 درجة عنها في العصر ما قبل الصناعي. يجب إبقاء الزيادة تحت مستوى درجتين مئويتين لتفادي كوارث مناخية مؤكدة، لا يمكن اصلاحها. لكن حتى دون الدرجتين، ستكون آثارها هائلة، خصوصاً للدول الأكثر فقراً. عند هذا المستوى مثلاً، سيتعرض 1,8 بليون شخص الى نقص في المياه. عند ثلاث درجات، يتعرض نحو 600 مليون شخص جديد، الى جوع مدقع، و4 بلايين الى نقص في المياه. عندها تتلاشى كل آمال بالانتصار على الفقر. وكلما ارتفعت الحرارة، تحولت السيناريوات ابوكاليبتية. بروكسل عبّدت الطريق الى كوبنهاغن 2009، اكثر من بروسنان. الإثنتان شكلتا معاً خطوة لاتفاق عالمي جديد، يحل محل بروتوكول كيوتو، الذي ينتهي العمل به عام 2012، ولم تصدقه الولاياتالمتحدة. التحدي واضح. التوصل الى معاهدة تبقي ارتفاع حرارة الأرض بعيداً تحت درجتين مئويتين. مع روزنامة دقيقة وتعهدات بخفض الانبعاثات عالمياً، وتقليص مستواها 80 في المئة حتى2050، لتعود دون مستوى 1990. ظهرت بوادر لحسن النيات. ازمة المال لم تحجب مشاكل المناخ. السياسة قد لا تعرقل الحلول مرغمة. المفاجأة جاءت من الرئيس الأميركي المنتخب باراك اوباما. جدد تعهده بتبني سياسات مختلفة عن أسلافه حول المناخ، اهمها خفض انبعاثات غاز الدفيئة 80 في المئة حتى 2050، وانفاق 15 بليون دولار سنوياً لتطوير تكنولوجيا الطاقة"النظيفة". الاتحاد الأوروبي خطا الخطوة الأكبر. وزع الجهود الضرورية على اعضائه بحسب البلد والقطاع، لتقليص الانبعاثات من المجموعة، 20 في المئة مع نهاية 2020 . ومؤتمر بروسنان وعد بالنظر في خفض اكبر، في لقاءات مقبلة. الدول الفقيرة وافقت على مضض. تدفع، اذا توافرت لها الإمكانات، ثمن ما اقترفته البلدان الغنية. لم تنل"نصيبها"بعد من انتاج الغازات الملوثة، ويشركونها في حرب ضدها، مع وعد بصندوق ب80 مليون دولار، بينما مئات البلايين لن تكفيها حكاية الذئب والحمل.