بدأ رؤساء الدول والحكومات المشاركون في قمة باريس للمناخ، المناقشات حول المسائل التي تشكّل صلب الموضوع، أملاً بالتوصل إلى اتفاق للحد من الاحتباس الحراري. وتبدو المهمة صعبة، إذ أحصت المنظمة غير الحكومية مؤسسة «نيكولا اولو»، «أكثر من مئتي خيار وتعبير أو جملة مطروحة للنقاش». وينقسم النص الذي يُناقش ويقع في خمسين صفحة إلى فصول كبيرة منها، الهدف الطويل الأمد لخفض انبعاثات الغازات السامة ذات مفعول الدفيئة، والتكيف مع التغير المناخي وتمويل السياسات المناخية لدول الجنوب، وآلية مراجعة لرفع التزامات الدول في شكل منتظم. وعلى المفاوضين تسليم نسخة منقحة للنص غداً إلى الوزراء الذين سيناقشونها في الأسبوع الثاني من قمة المناخ. ويهدف ذلك إلى التوصل للاتفاق الأول الذي تلتزم بموجبه الأسرة الدولية تقليص انبعاثات الغازات السامة ذات مفعول الدفيئة، لاحتواء ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، قياساً إلى الحقبة السابقة للثورة الصناعية. ويخشى العلماء من أن يؤدي ارتفاع حرارة الأرض أكثر من درجتين مئويتين، إلى أعاصير متكررة وتراجع العائدات الزراعية وارتفاع مياه البحار لتغمر مناطق مثل نيويورك وبومباي. وأكد الرئيس الأميركي باراك اوباما أن مكافحة الاحتباس «أولوية اقتصادية وأمنية، كي لا نضطر سريعاً إلى تخصيص عدد أكبر من مواردنا العسكرية والاقتصادية»، للتكيف مع التغيرات المناخية. وحضّ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي يتولى رئاسة القمة، الوفود في لوبورجيه قرب باريس، على «العمل بجد» للتوصل إلى اتفاق بحلول 11 من الشهر الجاري، تاريخ اختتام أعمال قمة الأممالمتحدة ال21 للمناخ. وأعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن القمة «تسير في الطريق الصحيح»، مشدداً على ضرورة أن «تكون مركباً يجعل العالم يتقدم للسنوات المقبلة، مع أفق وهدف وسبل كي نتأكد من الوصول إلى أقل من درجتين مئويتين لارتفاع حرارة الكوكب». وأبدى اوباما تفاؤلاً، ولو أن «دفع مئتي دولة على الاتفاق على أي أمر صعب بذاته»، على غرار الفشل في قمة كوبنهاغن عام 2009 في التوصل إلى اتفاق عالمي حول المناخ. وكشفت دراسة لجامعة «ليستر» البريطانية، أن ارتفاع الحرارة ست درجات مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية ممكن بحلول نهاية القرن ما لم تُتخذ إجراءات. ويمكن أن تصبح الأرض من دون مورد للأوكسجين، بسبب توقف العوالق النباتية عن العمل وهي كائنات بحرية نباتية، تنتج ثلثي الأوكسجين الموجود في الغلاف الجوي. وتعتبر الدول الأكثر تعرضاً خصوصاً الجزر، التي تواجه خطر ارتفاع منسوب البحار، أن احتواء ارتفاع حرارة الأرض حتى درجتين مئويتين غير كاف. وقال أوباما إن بعض هذه الدول «يمكن اختفاؤه تماماً»، مبدياً قلقه من أن يفضي ذلك إلى «عشرات ملايين اللاجئين بسبب التغييرات المناخية في منطقة آسيا - المحيط الهادئ». وأوضحت منظمة «أوكسفام» البريطانية، أن «10 في المئة من السكان الأكثر ثراء في العالم، مسؤولون عن أكثر من نصف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، بينما لا تتجاوز انبعاثات النصف الأكثر فقراً في الكرة الأرضية نسبة 10 في المئة». وأظهر تقرير للمنظمة، أن «الفرد الواحد من أغنى الأغنياء في العالم الذين يشكلون واحداً في المئة من سكان المعمورة، يتسبب في شكل وسطي بانبعاثات ثاني اكسيد الكربون أكثر ب 175 مرة من شخص ينتمي إلى نسبة 10 في المئة من أفقر فقراء العالم». واستبعد أوباما، أن «تكون الأهداف المعلنة رقمياً لخفض غازات الدفيئة ملزمة قانونياً». وصوت الكونغرس الأميركي الذي تهيمن فيه غالبية جمهورية أول من أمس، على إلغاء الإجراءات الجديدة للإدارة لمكافحة انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون، والتي كانت تفرض قيوداً للمرة الأولى على بعد المحطات الحرارية الأميركية. لكن تصويته يظل رمزياً، لأن اوباما حذر من استخدام حقه في تعطيل القرار. وعلى هامش قمة المناخ، حصلت أفريقيا التي تعاني في شكل مباشر من التغييرات المناخية، خصوصاً مع تقدم الصحارى وجفاف الأنهر، على بليوني يورو من فرنسا بحلول عام 2020، لتطوير مصادر الطاقة المتجددة فيها. وأعلن مجلس الوزراء الصيني أمس عبر وسائل الإعلام، أن الصين «ستخفض حجم الانبعاثات الغازية التي تنطلق من ملوثات رئيسة في قطاع الطاقة بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2020». وأفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة «الشعب» اليومية، بأن بكين «ستخفض حجم الانبعاثات السنوية لغاز ثاني أكسيد الكربون الناشئة عن محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة بالفحم بواقع 180 مليون طن بحلول عام 2020». ولم تستبعد وزارة البيئة الصينية، احتمال أن «تواجه موجة جديدة من تلوث الهواء الكثيف هذا الشتاء». وأوضحت أن «ظاهرة النينيو ستسبب رياحاً وأمطاراً على ارتفاع منخفض على غير العادة، وبالتالي فإن انبعاثات أنظمة التدفئة المستخدمة في المدن العاملة بالفحم لن تتلاشى بسهولة». وأكدت الإمارات المشاركة بوفد في القمة، التزامها دعم المساعي الدولية لتطوير التقنيات للحد من تداعيات تغير المناخ. وأعلنت مشاركتها في مبادرتين جديدتين، هما «مهمة الابتكار» التي تركز على التكنولوجيا النظيفة، و «التحالف الدولي للطاقة الشمسية» الهادف إلى تطوير تقنيات الطاقة الشمسية ورفع كفاءتها. وقال وزير الدولة المبعوث الخاص لشؤون الطاقة وتغير المناخ في الإمارات سلطان أحمد الجابر، إن التزام الإمارات العمل للحد من تداعيات تغير المناخ «يستند أساساً إلى قناعتها الراسخة بضرورة تطوير حلول الطاقة النظيفة ونشرها، من خلال الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة». وأكد ثقته في أن «الشراكات التي أُعلنت ستعزز التعاون، وتساهم في تنويع الاقتصاد لتمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة». وكشف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وهولاند النقاب عن تشكيل «التحالف الدولي للطاقة الشمسية»، الذي يضم مجموعة من الدول الغنية بأشعة الشمس، منها الإمارات والولايات المتحدة وكينيا وتشيلي وسريلانكا، وهو يرمي إلى تشجيع هذه الدول على زيادة إنتاج الطاقة الشمسية ونشر استخداماتها.