تبدو ملامح أزمة المال والاقتصاد العالمية، آخذة بالبروز والتبلور، ما يساعد الدول كافّةً على رسم سياسات أوضح وأشمل في التعامل معها، بحيث يمكن القول:"عندما نتفق جميعاً على أن الركود الاقتصادي واقع، تنتشر تظاهرة في جوانب الاقتصاد، ما يعني أننا نتفق جميعاً على الخطوات الضرورية المطلوبة للتصدي لهذا الركود". وتعد هذه الحالة أفضل نسبياً من التقلبات الحادة غير الواضحة المعالم في أسواق المال، التي تثير الرعب ولا تساعد على اتخاذ القرارات المناسبة للتعامل معها. وشهدنا الأسبوع الماضي مواصلة الجهود الدولية، وفي صورة مكثفة وأكبر للتعامل مع الأزمة الاقتصادية. فأقر قادة الاتحاد الأوروبي، في قمة في بروكسيل، ملامح خطة لإنقاذ اقتصاداتهم من الركود، قيمتها 200 بليون يورو. وتهدف الخطة إلى حفز النمو الاقتصادي بمعدل 1.5 في المئة خلال 2009. وشدد البيان الختامي للقمة على ضرورة توحيد الجهود"بسرعة وقوة"، لتفادي دوامة الركود والحفاظ على استمرار الأنشطة الاقتصادية وتوفير الوظائف. وتضمن أيضاً، الدعوة إلى إدارة كل الأدوات المتوافرة، والتركيز على تعزيز تأثير الإجراءات التي تتخذها كل دولة في الاتحاد لحفز اقتصادها. وفي واشنطن، تتجه الإدارة الأميركية إلى خيار استخدام جزء من أموال خطة الإنقاذ المالي البالغة 700 بليون دولار، لدعم سوق صناعة السيارات الأميركية التي تواجه خطر الانهيار، بعد أن فشل مجلس الشيوخ في إقرار خطة لإنقاذها. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها جاهزة للتحرك في اتجاه إنقاذ هذه الصناعة التي تعتبر ركيزة من ركائز الاقتصاد الأميركي. وفي آسيا، تعهد زعماء الصين واليابان وكوريا الجنوبية بحشد تمويلٍ، لتجنيب آسيا أسوأ أزمة مال عالمية، وتكريس المنطقة لإحياء الاقتصاد العالمي. واتفقت الدول الثلاث التي تمثل اقتصاداتها 75 في المئة من اقتصاد دول المنطقة، أثناء قمة تاريخية لهم، على تعزيز التعاون لمعالجة الأزمة المالية ونبذ الخلافات السابقة. وأعلنت الصين أيضاً أنها تعتزم زيادة المعروض النقدي السنة المقبلة 17 في المئة، بهدف حفز إنفاق المستهلكين ودرء تداعيات أزمة المال العالمية. وسبق أن أعلنت عن خطة حفز اقتصادي بأربعة تريليونات يوان 586 بليون دولار، لضخ أموال في مختلف قطاعات الاقتصاد. ويهدف الإجراء إلى تنشيط الاقتصاد المحلي من طريق توفير القروض وتشجيع المستهلكين والشركات على الاقتراض. لذلك، ونظراً إلى تكاتف الجهود الدولية، بخاصة في المناطق الرئيسة المعنية بحفز الاقتصاد العالمي، نتوقع أن تتضح نتائج هذه الجهود خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ويكون ممكناً الحكم على كفايتها وشموليتها، بحسب ما هو مرجّح، أو تبقى في حاجة إلى إجراءات أعمق وأشد، وهذا أمر غير مستبعد أيضاً. وفي كل الحالات، على مصارفنا العربية، وهي تشهد السعي الحثيث لدول العالم الصناعي، وكذلك الدول العربية، للبحث عن مخارج للأزمة، ألا تكتفي بالمراقبة، بخاصة أنها لم تتأثر بصورة مباشرة وكبيرة بتداعياتها. فعليها الانفتاح على بعضها وتنشيط المعاملات في ما بينها، وفتح أبوابها على الاقتصادات العربية. كما من واجب الحكومات العربية أن تفتح أبواب اقتصاداتها أمام المصارف العربية، خصوصاً أن كل المؤشرات تدل على أن الاقتصادات العربية، وإن تأثرت بأزمة الاقتصاد العالمية، فسوف تحقق نمواً بين 3 و3.5 في المئة خلال السنة المقبلة. استطاع القطاع المصرفي العربي خلال العقدين الأخيرين، أن ينمي قدراته المالية وموارده البشرية وإمكاناته التكنولوجية وخبرته، بغية تحقيق المنافسة على الصعيد العالمي. وبات يحتل موقعاً مهماً وأساسياً في الاقتصاد العربي، انطلاقاً من دوره الأساس في تمويل الإنتاج والتجارة والاستثمار، بحيث يتوقع أن ترتفع موجوداته نحو 20 في المئة في 2008 لتبلغ نحو تريليوني دولار. وعليه، فإن قطاعاً بمثل هذه الأهمية والتجارب والعمق، لا بد أن يتحول إلى قاطرة لإنعاش الاقتصادات العربية، وهذا ما نسعى إلى تحقيقه. * رئيس إتحاد المصارف العربية نشر في العدد: 16694 ت.م: 18-12-2008 ص: 18 ط: الرياض