شهد الأسبوع الماضي استمرار التقلبات في أسواق المال العالمية، إلا أنها باتت تميل إلى التحسن البطيء مع سيطرة الحذر والخوف من الآتي. فلا تزال تقديرات كثيرة تشير إلى أن تداعيات الأزمة لم تستكمل بعد، وأن مزيداً من الآثار والنتائج يتضح خلال الأيام المقبلة. والميلُ إلى الحيطة والحذر تحسباً لما هو آتٍ، أفضلُ من مبالغة كبيرة لا تعرف نتائجها. وسبق أن حذّرنا من المبالغة في ارتفاع الأسعار في أسواق المال إلى مستويات غير واقعية ومضخمّة. ونرى الآن أن انخفاض أسعار أسهمٍ كثيرة، إلى ما دون قيمتها الدفترية وحتى الاسمية، مبالغ وغير حقيقي، بخاصة بعد أن اتضح أن شركات عدة يمكنها أن تحافظ على مستويات معقولة من الربحية والنمو والتعامل مع التحديات الراهنة، بقدرة تمكنها من الاستمرار. وما يدفع إلى المطالبة بعدم المبالغة المفرطة في التدابير الاحترازية، أن الأزمة بدأت تحدّد مساراً خاصاً بها، واتضحت معالمها الاقتصادية بصورة جلية، ما يتطلب اتخاذ تدابير مالية واقتصادية للتعامل مع الركود الاقتصادي المتوقع، وهو ما تتعامل معه الدول الصناعية الرئيسة وتحض عليه. فبعد أن تعهدت قمة العشرين الكبرى في واشنطن منتصف الشهر الجاري، تصحيح النظام المالي العالمي، تعهّد زعماء الدول الأعضاء في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والهادئ آبيك، في اختتام قمة ليما عاصمة بيرو، الأسبوع الماضي، بدفع الجهود الرامية إلى تحقيق انفراج في جولة الدوحة قبل نهاية العام الحالي، وإصلاح النظام المالي الدولي في إطار سعيهم إلى مواجهة أزمة المال ومنع الاقتصاد العالمي من الانزلاق في ركود عميق. وأعلن الزعماء إنهم سيدعمون الإصلاح الشامل لصندوق النقد والبنك الدولي، وأكدوا أن اللحظة الراهنة تبرز أهمية إصلاح النظام المالي من أجل حماية الاقتصادات، وشدّدوا على الحاجة إلى استعادة الثقة واحتواء الآثار الطويلة المدى، التي تتسبّب بها أزمة المال العالمية على المنطقة. وأكدوا أيضاً، دعمهم لتوصيات مجموعة العشرين بعد الاجتماع الأخير لقادة الدول الأعضاء فيها. ونظراً إلى كون اقتصادات دول"آيبك"تمثل نمواً يتجاوز 50 في المئة من اقتصادات العالم، فان التوصيات الصادرة عن قمتها، هي غاية في الجدية، تتضمن خطوة ضرورية أخرى على الطريق الصحيح، ليس لتهدئة الأسواق فحسب، بل لتوفير معالجات لأزمة المال والركود الاقتصادي. وخلال لقاءاتنا في اليونان، الأسبوع الماضي، مع مسؤولين ورجال أعمال يونانيين، في إطار أعمال الدورة الثانية للمنتدى الاقتصادي العربي اليوناني، التي عقدت في أثينا، درسنا واقع العلاقات التجارية بين اليونان والعالم العربي وسبل تطويرها والارتقاء بها. وبلغ حجم المبادلات التجارية بين الطرفين نحو 4.8 بليون دولار عام 2007، تشكل غالبيتها صادرات الدول العربية إلى اليونان. وناقش المشاركون في المنتدى، الوضع الحالي للاستثمارات في العالم العربي واليونان لناحية الحوافز والمعوقات والتعاون في مجال الطاقة ونقلها، ومصادر الطاقة البديلة، والاستثمار في المجال السياحي والعقارات في اليونان، ودور مؤسسات الاستثمار، بخاصة المصارف الإسلامية،، في تنشيط التجارة والاستثمارات المشتركة بين الطرفين بعد أزمة الاقتصاد العالمية. وحظيت المصارف والمعاملات التجارية الإسلامية باهتمام من اليونانيين الذين استفسروا عن الاقتصاد الإسلامي والمعاملات الإسلامية، خصوصاً أن آثار أزمة المال العالمية كانت محدودة عليه. ووقع اتفاق تعاون بين اتحاد المصارف العربية والغرفة العربية للتجارة والتنمية. وترجع العلاقات العربية اليونانية إلى سنوات طويلة، وتوجهت مصارف عربية للاستثمار في اليونان منذ نهاية سبعينات القرن الماضي وبداية ثمانيناته، وكان الاقتصاد اليوناني آنذاك في شبه انغلاق. ومع ذلك حققت تلك الاستثمارات نجاحات مشهودة، ساهمت في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. ويشهد الاقتصاد اليوناني اليوم، انفتاحاً كبيراً على الاستثمارات الأجنبية، ويبدو أن تأثيرات الأزمة المالية محدودة بالنسبة إلى المؤسسات المالية والخاصة اليونانية. لذلك، ندعو المستثمرين والمصارف العربية إلى توجيه جزء من استثماراتهم وأموالهم نحو السوق اليونانية، بخاصة أننا نبحث حالياً عن تنويع الاستثمارات وإبعادها عن مصادر الأزمة والتوتر. والسوق اليونانية سوق واعدة بفرص الاستثمار الجيدة. * رئيس اتحاد المصارف العربية نشر في العدد: 16673 ت.م: 27-11-2008 ص: 19 ط: الرياض