توقّع تقرير أصدرته شركة الخدمات المهنية في الشرق الأوسط،"ديلويت"حول مستقبل الاقتصاد العالمي في الربع الأخير من 2008، أنه لا يزال يحفل بأخطار مالية، إلا أن حجم جهود الإنقاذ المتعددة التي بذلتها حكومات العالم وسرعتها، تبشّر خيراً بنهوض في المستقبل القريب. وتوقع تقرير أعدّه خمسة خبراء في الاقتصاد العالمي في"ديلويت"، أن من شأن ضخ الحكومات والمصارف المركزية المال بكثرة، أن يعيد الحركة إلى أسواق الائتمان ويمهّد الطريق للنهوض، على رغم استمرار معاناة اقتصاد الدول المتطورة من الانكماش، وتأثيره على الدول الناشئة. ودرس التقرير تاريخ أزمات المال السابقة في النروج وفنلندا والسويد واليابان، تسعينات القرن الماضي، إضافة إلى الولاياتالمتحدة خلال أزمة المدخرات والقروض. واستنتج أن إعادة رسملة المصارف يمكن أن تفيد اقتصادات الدول، وأن العبء المالي على دافعي الضرائب ليس باهظاً بالضرورة. ولحظ التقرير أيضاً أن الانكماش الاقتصادي الذي تسببه أزمات المال قد يكون أكثر عمقاً، ويدوم لمدة أطول، مقارنةً بالانكماش الاقتصادي الذي يحدث جراء أسباب أخرى. وفي هذا الصدد، أفاد، مدير أبحاث قسم الاقتصاد العالمي في"ديلويت" إرا كاليش، أن"على عكس أزمات مال سابقة، أثارت الأزمة الراهنة رداً حكومياً سريعاً وواسع النطاق على ضفتي الأطلسي. لذا، ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل بحذر لناحية مستقبل الاقتصاد العالمي على الأمد المتوسط". وتناول التقرير تأثير الأزمة، في المدى الطويل، على قطاعاتٍ عديدة. يقول كاليش،"تشكل الأزمة الائتمانية جزءاً من إعادة هيكلة الاقتصاد على المدى الطويل، وستكون النتيجة تحوّلاً في الاقتصاد الأميركي ليصبح اقتصاداً يعتمد على التصدير، بعد أن كان يعتمد على الاستيراد بدفع من المستهلك. من جهة ثانية، ستشهد آسيا نمواً على غرار اقتصاد البلدان التي تعتمد على المستهلك. ومن شأن هذا التحوّل أن يولّد فرصاً وتحديات إلى قطاعات الصناعة." وتابع،"في الولاياتالمتحدة، ستساعد إعادة رسملة المصارف على إحياء الحركة في سوق الائتمان. وسيكون لاندماج مصارف في منطقة اليورو، أثر إيجابي، في الأمد الطويل، على فعالية سوق رأس المال الأوروبي. وفي النهاية، ستبقى الاقتصادات النامية، على غرار روسياوالهندوالصين، عامل دفع مهماً للنمو العالمي وإن تباطأت في هذه الفترة." وأضاف،"حالما يستأنف الاقتصاد نهوضه، سيصبح التضخم تحدياً لافتاً في دول عديدة، لا سيما الهندوالصين. وكلما تأخرت هذه الدول في مواجهة التضخم المالي، ازدادت صعوبة كبحه في المستقبل." من جهته، قوّم، المدير العام ورئيس مجلس إدارة"ديلويت الشرق الأوسط"عمر فهوم، نتائج الدراسة في الشرق الأوسط بقوله،"إن العملات في معظم دول مجلس التعاون الخليجي مربوطة فعلياً بالدولار، ليس بهدف تعزيز تنافسيتها، بل من أجل تقليص التقلب في الإيرادات من الصادرات. فالسلعة الوحيدة التي تصدرها، النفط، مسعّرة بالدولار. وعندما ارتفع سعر النفط، أدى إلى تحويل أموالٍ كثيرة إلى البورصات والأسواق المحلية والأسواق. ويبقى السؤال اليوم حول ما إذا كانت الدول التي تربط عملتها حالياً بالدولار ستتحوّل، وفي شكلٍ كامل إلى ربطها باليورو أو بسلة عملات حيث اليورو أكثر ثقلاً. يعتبر الاحتمال الأول غير مرجح من ناحية توجه هذه الدول إلى إعادة تقويم عملاتها، ما سيقوض تنافسيتها. على الأرجح، ستحافظ دول مجلس التعاون الخليجي على ارتباط عملتها بالدولار لأنها تملك المال للتعاطي مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة." وحول تأثير تقلب أسعار النفط، قال كاليش،"يمكن أن يعوّض تراجع أسعار النفط، في شكل جزئي، التأثير السلبي جراء أزمة الائتمان. إلا أن أسعار النفط المرتفعة نسبياً، ستؤثر سلباً على الإنتاج."وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يكون هذا الأثر على النمو، أكبر في الولاياتالمتحدة لاعتمادها المفرط على النفط وضعف عملتها سعر برميل نفط 120 دولاراً أميركياً، أثَّر سلباً على النمو في الولاياتالمتحدة، بانخفاضه من 0.21 إلى 0.50 في المئة وعلى منطقة اليورو من 0.06 الى 0.2 في المئة. ويهدف التقرير إلى توفير منظار استراتيجي حول الاقتصاد، لعالم الأعمال. ففي البيئة الحالية، مهم، بالنسبة إلى الشركات في الدول المتطورة والناشئة على حدّ سواء، أن تفهم ماهية الأخطار التي تواجهها والتأثير المحتمل على استراتيجياتها والخطط المستقبلية التي تنتهجها. تباطؤ وغموض وخطر وبحسب التقرير تواجه البرازيل تباطؤاً في النمو بسبب تراجع سعر السلع وتراجع الطلب على الصادرات المصنعة. ويُرجح أن يستأنف البلد حركة نمو معتدلة حالما يتعافى الاقتصاد العالمي. الوجهة المستقبلية في الصين غير واضحة مع تباطؤ الناتج المحلي وبذل الحكومة الصينية جهوداً كبيرة لتحقيق التوازن بين التضخم المتنامي والنمو المتباطئ. وتواجه الهند نمواً بوتيرة أكثر بطءاً. وعلى الأمد الأطول، ستعتمد على قدرة الحكومة على الاستثمار في البنية التحتية. وفي اليابان، تفيد أكثر التوقعات إيجابيةً، بأن الانكماش لن يكون طويلاً وان الانتعاش سيكون متيناً إلى حد ما. وتواجه روسيا خطراً يتعلق بتقويم المستثمرين الأجانب للأخطار الاستثمارية. ويعتبر الاعتماد المفرط على النفط أحد العوامل التي ستثير مشاكل في روسيا مستقبلاً.