فجر الخامس من تشرين الثاني نوفمبر 2008 يؤرخ لبداية "الحلم الأميركي" الجديد، وهو حتماً نهاية لوهم "الانتصار الكبير". الأمل بالتغيير للشعب الأميركي ولشعوب المنطقة المنكوبة برياح الإرهاب وعواصف الغطرسة في"الحرب على الإرهاب"... الأمل لا يعني للأميركيين وللمنطقة سوى وقف القتل، ويعني تحديداً صحوة العقل. "الحلم"مع الرئيس باراك أوباما الذي اختاره شعبه بحماسة استثنائية، مرادفه الأول"كفى"وهماً، لأن الأميركي ايضاً يحصي نعوشه العائدة من العراقوأفغانستان، ولا يرى"ديموقراطية"كاملة في بغداد من دون حراسة الاحتلال، ولا يلمس"ترويضاً"لإيران بالعقوبات والتهديد بالعصا... ولا يجد إسرائيل متفوقة على كل العرب بأسطورة جيشها. الأهم، أن الأميركي الذي اقترع لأوباما من اجل التغيير، ووقف النكبات المتلاحقة للولايات المتحدة، صوّت للمرشح"الأفريقي"لطي حقبة شؤم إدارة جورج بوش التي لا يمكنها ان تدعي انتصاراً في إبعاد لعنة الإرهاب عن أمن الولاياتالمتحدة ومواطنيها في الداخل. ولا يمكنها ان تزعم ضمان رفاهية بعدما طاردها"تواطؤ"المضاربات والاحتيالات الى عقر وول ستريت، وإن كان بعض أركانها ضالعاً. كانت بداية حقبة بوش كذباً ونهايتها هزيمة مدوية، بحجم الانتصار الساحق للمرشح أوباما. كذب أشعل حرباً خاسرة في العراق بعد وهم القوة في أفغانستان، وانهيارات"ديبلوماسية"متتالية، من العراق الى فلسطين، ومواجهة فاشلة مع"الشريك"الروسي، مواجهة بالوكالة في القوقاز. وأما الختام الذي أفرغ جيوب كثيرين من الأميركيين، بعد اضطراب اسواق المال وانهياراتها، فكان بالتأكيد ناخباً كبيراً في صناديق اوباما. وباقتضاب ايضاً، إذا كان أفول عهد بوش سيؤرخ لكفّ شرور عصابة المحافظين الجدد عن الأميركيين والعالم، فالمسألة في بداية المرحلة الانتقالية، ان يهيئ الرئيس اوباما لنقل سياسة الولاياتالمتحدة من ديماغوجية التفرد وإملاء قواعد السلوك في التعامل مع الحلفاء والأصدقاء، الى إحياء تقاليد الديموقراطية التي تفترض أولاً إعمال العقل ولسان الحوار، لا الإمعان في تضخيم العضلات، وأوهام القوة الساحقة. لكلٍ تمنياته في المنطقة، فيما بعضهم ما زال يستعذب لغة الدروس والنصائح التي توائم"أحلامه"، وبعضهم الآخر يتوهم بأن الأفارقة الأميركيين والديموقراطيين في الولاياتالمتحدة ما اختاروا أوباما إلا لفشل إدارة الجمهوريين في زرع"فردوس"الديموقراطية في بغداد، أو وقف عذابات العراقيين مع الإرهاب، وعذابات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو حتى تبديد خيبات كارزاي في الصراع مع"طالبان"... مع موجات القتل اليومي، ومن دون ازدراء لإرادة الناخب الأميركي، كان السؤال لماذا دفَع ما دفَع في أفغانستان، طالما الخاتمة عرض حوار مع العدو"الطالباني"؟ ولماذا دفَع في بلاد الرافدين وإن نهبَ الوسطاء نفطاً بحراسة أميركية ليواجه استبسالاً عراقياً في الدفاع عن سيادة البلد، ومقاومة ضارية لإملاء الاتفاق الأمني؟ مرادف"الحلم الأميركي": كفى خديعة وتضليلاً. ولن ينجر أوباما حتماً الى سحب القوات من العراقوأفغانستان غداً، أو يدعو إلى قمة عالمية عاجلة لإعلان هزيمة حقبة أميركية، والتسليم بشراكة مع كل الحلفاء، عمادها الحوار والإصغاء ومراعاة حقوق الآخر وخصوصية مجتمعاته... لن يعتذر اليوم من الشعب العراقي عن قتل مليون عراقي ونهب النفط واختفاء البلايين، ولا من الشعب الفلسطيني عن"رؤية"الوهم، ولا من الأفغان عن سنوات الهباء ووعود الخواء... فالمرحلة انتقالية. فجر"الحلم"بداية حلم بالتغيير، واقعيته في إعلاء أوباما سلاح القيم الأميركية الديموقراطية الذي شجع الأوروبيين أمس على الأمل ب"عقد جديد"، لأن ما فات لم يصلح يوماً لاستعادة توازن القرار في إدارة دفة سياسات العالم. لم تكن صدمة"وول ستريت"سوى آخر النَزْع لعصر القوة الأميركية الساحقة التي لا تستقيم معها سياسة ولا شراكة بالحوار، وبالاعتراف بمصالح الآخر. للأميركي بداية حلم، اختارها بانتخاب أوباما، للخلاص من عقدة طرد كابوس 11 أيلول بمطاردة"الأعداء"في كل بقاع الأرض. هو فوز ساحق لخصوم عسكرة السياسة، بالسلاح والمال. وأما"الحلم العربي"فالمؤسف ان يتبدى في يوم انتصار المرشح"الأفريقي"ووصوله الى البيت الأبيض، أن السواد الأعظم من العرب يبحث عنه في"تعاطف"أوباما مع جذوره، وربما يتمنى ان يمنحه ذاك الحلم هبةً مجانية، للتكفير عن ذنوب إدارة بوش. بين الوهم والسياسة، بحر من الأوهام.