شعوب الأرض قاطبة تتوق الى السيادة والحرية والاستقلال. كل شعب يسعى أو يعبر عن سيادته، وحريته واستقلاله على طريقته الخاصة، طبعاً كل بلد بحسب مستوى وعيه. فمستوى الوعي هو الذي يحدد فهم إنسان تلك الشعوب لمعنى السيادة ومغزى الحرية وهدف الاستقلال. إذا نظرنا نظرة شاملة الى ما يجرى في العالم، نجد أنه باسم إحقاق السيادة، وخلف تحقيق الحرية ونيل الاستقلال، تخاض الحروب على أنواعها اقتصادية وعسكرية ونفسية... دماء تُراق...عيون تدمع... شعوب تباع... أرض تُغتصب... ثروات طبيعية تُنتهك... وإنسان يهوي... وكأن مصيره سلعة أو ضريبة الحرية والاستقلال! كل ذلك وأكثر، لماذا؟ أمن أجل السيادة، أم الحرية أم الاستقلال؟ فما هي السيادة؟! هل هي كلمة تردد على الشفاه أم أنها مفهوم إنساني يجب أن يمارسه المرء على نفسه أولاً؟ السيادة الحقة تُترجم عملياً من خلال أفعال الإنسان. هي التحكم بالنزوات الشخصية والرغبات الخاصة والترفع عن الأنانية والمآرب الفردية التي تضر بالمرء نفسه وتقوّض حياته قبل أن تسيء الى الآخرين. هذه السيادة التي يمارسها المرء على نفسه أولاً ومن ثم يتوسع في ممارستها من خلال التعاطي مع الآخر، فالعائلة، فالمجتمع، وهي التي تتعاطاها الدول في ما بينها حيث كل دولة تحترم سيادة الأخرى. وماذا عن الحرية؟ فهل مصيرها أن تبقى مجرد كلمة بلا مضمون؟ قرأت يوماً في أحد كتب علم الباطن الإنساني الآتي:"الحرية لا تعطى بل تحقّق. الحرية لا تمنح بل واجب كل إنسان أن يسعى إليها ويناضل من أجلها عبر اكتسابه الوعي، وعبر ارتقائه بالوعي. فكلما اكتسب المرء مزيداً من وعي، اتسع مدار الحرية أو نطاقها". وما يصّح عن حرية الفرد ينطبق على حرية الشعب. وماذا عن الإستقلال؟! هل هو حق لكل شعب ولكل إنسان؟ إنّ الأحداث المتتالية التي تشهدها بعض الشعوب ليست سوى شهادة حية على اغتصاب كل معاني الاستقلال المنشود، عبر اقتسام الأرض والتقاتل في سبيل تملّكها وتجاهل كل الأنظمة والمبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية، والأسوأ عبر ابتعاد الانسان عن أخيه الإنسان والتصارع معه في معركة عنوانها"عدم المشاركة والتعايش في وطن واحد"... ومن ثم ينادون بالاستقلال ويطالبون به؟ فما هو هذا الاستقلال الذي يدفع المرء الى إلغاء الآخر ويسلبه سعادته؟ لا بد من التذكير بما ورد على لسان معلم حكيم حول مفهوم الاستقلال: "الاستقلال مفهوم مقدس للحرية، وليس تكابراً أو غروراً أو تفرداً بالرأي. وما دام الإنسان أسير نزواته وأسير رغباته ومعتقداته، فلن يعرف معنى الاستقلال الحقيقي أبداً! وما دام هو منفتّح الذهن، مترفع عن أنانيته ومآربه الشخصية، فهو يحيا الحرية والاستقلال، حتى وإن كان وراء القضبان! فالاستقلال الحق هو استقلال الوعي عن اللاوعي!". خلاصة القول، لا يبدو أن ثمة وجوداً للسيادة الفعلية، ولا للحرية المطلوبة، ولا للاستقلال المنشود من دون التوعية الى هذا الوعي الإنساني الذي يستوجب تنظيماً ذاتياً يبدأ على مستوى الفرد ويتوسع في المجتمع فالوطن. كما ويتطلب رؤية واضحة لهدف نبيل يخدم المصلحة العامة والخير العام، ويكون مبنياً على مبدأ"تطوير الإنسان أولاً"، بعيداً من معادلة"الغاية تبرر الوسيلة". رانيا كفروني فرح - بريد الكتروني