يعبّد نزع واشنطن جمهورية كوريا الشمالية الشعبية الديموقراطية عن لائحة الدول الإرهابية الطريق أمام انفتاحها على المجتمع الدولي، وخروجها من عزلة طويلة. ولا شك في أن خطوات كثيرة تفصل بيانغ يانغ عن النزول على مطالب المجتمع الدولي، وخصوصاً في وقف الانتشار النووي، واحترام حقوق الإنسان. وعلى رغم أنها لم تعدل عن خطابها العقائدي، تمر كوريا الشمالية في مرحلة انتقالية بطيئة ومتعثرة، وتسير نحو نظام يميل الى التخفف من السياسات السلطوية. ولكن الملفات الكورية الشمالية التي لا تتناول الشؤون النووية بعيدة من مشاغل الاتحاد الأوروبي. ويهمل هذا الاتحاد قضايا حقوق الإنسان في بلد يعاني شعبه من العزلة الدولية. وهولم يشارك في مفاوضات الدول الست، أي الكوريتين الجنوبية والشمالية، وروسيا، والصين، والولاياتالمتحدة، واليابان. ولم تنتهج أوروبا سياسة مستقلة عن سياسات الولاياتالمتحدة، وحذت حذو واشنطن في الأزمة النووية التي أسهمت إدارة بوش في اندلاعها، في 2002، ودانت نشاطات بيونغ يانغ النووية. ولم تدقق بروكسيل في اتهام أميركا كوريا الشمالية بإجرائها أنشطة نووية، ولم تطعن في صحة هذا الاتهام، على رغم إقرار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأنها لم تكن، يوماً، على يقين بأن برنامج بيونغ يانغ النووي عملاني. وانكفأت السياسة الأوروبية بكوريا الشمالية، واكتفت أوروبا بتقديم مساعدات إنسانية وتقنية الى هذا البلد. فتفاقمت أزمة المجتمع الدولي مع بيونغ يانغ، اثر اختبارها سلاحاً نووياً، في 2006. والحق أن آوان عدول الاتحاد الأوروبي وفرنسا عن سياسة المماطلة والتسويف مع كوريا الشمالية، قد آن. وحريّ بهما الاحتذاء على الولاياتالمتحدة ومفاوضة بيونغ يانغ، عوض معاداتها. وعلى رغم دوران الإشاعات على مرض الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ ايل، يستبعد المحللون في سيول احتمال اضطراب الأوضاع بكوريا الشمالية، ويرجحون استقرار البلاد. ولا شك في أن ملف كوريا الشمالية النووي هو مشكلة عالمية. فالعالم يواجه خطر نشر هذا البلد السلاح النووي. ومنذ وفاة كيم ايل - سونغ في 2004، يدور كلام الديموقراطيين الغربيين على قرب انهيار النظام. ولكن النظام صمد، على رغم محاصرته، ونبذه. وسياسة العزل الدولي هذه بلغت طريقاً مقطوعاً، ولم تثنِ كوريا الشمالية عن حيازة سلاح نووي، وانتهاك حقوق الإنسان. ولم يبق في وسع الأوروبيين تناول كوريا الشمالية بناء على تصورات عامة وغير دقيقة، على غرار نعتها بال"ستالينية"والاكتفاء بالقول أن مجتمعها "مقموع وضعيف". فالحق أن بذور اقتصاد السوق زرعته في تربتها في 2002، من طريق رفع القيود التجارية وتبني الشعب اقتصاد السوق. وحل هذا الاقتصاد محل انقاض الاقتصاد الموّجه. وأسهم التغير الاقتصادي في تقويض بنى المجتمع، وفي تنوع مصالح الجماعات. وعلى رغم دوام سياسة القمع المنهجي، تخلخلت أسس النظام الشمولية، وضعفت القيود على حرية نقل المعلومات، وتغيّر الخطاب العقائدي، وهو يدعو الى التقدم الاقتصادي والمالي، عوض الدعوة الى بلوغ أهداف ثورية. وأسهم التغير الاقتصادي في تغير هرم التراتب الاجتماعي، وفي تخفف الكوريين الشماليين من مفاهيم"الستالينية". ولكن النظام الكوري الشمالي يفتقر الى مؤسسات تؤطر مسيرة الإصلاح، وتواكبها. لذا، على الاتحاد الأوروبي، وهو طرف دولي"محايد"، أداء دور أساسي في مد الشمال بالخبرات لاجتياز هذه المرحلة. ولا ريب في أن ثمة ما يعوق انتقال جمهورية كوريا الشمالية الديموقراطية الشعبية الى نظام منفتح على العالم. فمنذ 1953، لم يعلن وقف الحرب بين الكوريتين، بل وقف إطلاق نار. وعلى خلاف فيتنام والصين، تخشى كوريا الشمالية أن يتهدد انفتاحها على الخارج سلامة أمنها. وبعد الأزمة النووية في 2002، تنصل المجتمع الدولي من مساعدة بيونغ يانغ على اجتياز المرحلة الانتقالية، وحاصرها. فتعثرت عملية الإصلاح، وتوقفت عجلتها. عن فيليب بونس،"لوموند"الفرنسية، 31/10/2008