السبت 22/11/2008 : الاستقلال لبنان المستقل، استقلت عنه طوائفه محتفظة برباط الهوية وظهورها معاً في الصور الاحتفالية. طوائف تصنع معبودها وتأكله عند الحاجة، تصنعه من تمر أو من تبّولة، المهم انه يؤكل. "لكم لبنانكم ولي لبناني"، قالها جبران خليل جبران، وهي لسان حال لبنانيين أفراد مقيمين ومنتشرين، يعملون بصمت وبإتقان، ويبدعون وعينهم على الإنسان. هؤلاء مادة الحضور اللبناني المستمر، وفوق أجسادهم وإنجازاتهم وأحلامهم يعربد اللاعبون باسم الطوائف، والألعاب متنوعة، لكنها كلها أسيرة حدود الطائفة. الطائفة حيز ضيق والطائفيون أسرى، مهما اجترحوا من بطولات أو خيانات. لبنان المستقل، نتذكره في عيده، وهو يؤكد من سنة الى سنة معجزة بقائه يصنعها اللبنانيون الأفراد. الأحد 23/11/2008 : حرية الحرية بيننا وبينها الحاجة، والأيديولوجيا، والزعامة المتسلطة بالميليشيا، والحدود التي تعوق حركتنا، وعهود الحب والأبوة والبنوة. الحرية ليس الإنسان وحيداً ليكون حراً. يولد وتولد معه القيود، لذلك يحلم الشرقيون بحي بن يقظان والغربيون بروبنسون كروزويه، ويكتب أدباء العصر الاستعماري عن جزر بعيدة شبه مجهولة وسفن بائسة تحمل مسافرين بلا أهداف، يتنقلون في العالم الواسع، وطن الحرية في مقابل وطن القيود، ومتى شاخوا يعودون الى قيودهم القديمة ليموتوا عبيداً بعدما عاشوا أحراراً. الحرية؟ ربما تكون الحرية هي الموت، لأن الحياة تبدأ بالقيد وبه تنتهي. الاثنين 24/11/2008 : منطق الأمور منطقيّ أن يبني المصريون المسلمون مساجد ومثله أن يبني المصريون المسيحيون كنائس، وغير ذلك غير منطقي، وهذا الغير يحدث في أجواء مشحونة بالبغضاء، أي بمشاعر الخوف والذعر المتبادلة. مصر الكبيرة لا يليق بها الذعر، وما يجري هو استبدال المشكلات الحقيقية بمشكلات وهمية، فلا خوف على الإسلام في مصر من مسيحييها، ونفترض أن لا خوف على مسيحيي مصر من مسلميها. كانوا حاضرين معاً في تاريخ هذا البلد العريق ولا داعي ليرمي كل طرف الطرف الآخر بالشيطنة، فالشيطان ينبع منا ولا يأتي من الآخر. ما تشهده مصر بين فترة وفترة لا يليق بها ولا، خصوصاً، بعمقها الحضاري. وهذه الخفة التي تتهم الأقباط بأنهم يملكون 20 في المئة من شركات المقاولات ويشغلون 29 في المئة من عدد رجال الأعمال و20 في المئة من مديري الاستثمارات في المدن الصناعية، هي امتداح وإعلان مميزات أكثر مما هي تهم، فالذين حققوها هم مصريون أفراد أكثر مما هم جماعة تعلي من شأن نفسها بإبعاد الآخرين، ومثلها تلك الخفة التي تظهر بين وقت وآخر ولعها باستعادة تاريخ فتح مصر، كأن عمرو بن العاص أتى البارحة إلى أرض الكنانة ويمكن إبعاده بتهمة تزوير سمة الدخول على جواز سفره. مسلمو مصر هم معظم أهلها القدماء وليسوا بالضرورة أحفاد عمرو بن العاص، وانتشار الدين الإسلامي في مصر مماثل لانتشار المسيحية قبله، وقد يبدو من الخفة أيضاً القول إن المسيحية أساءت في حقبة معينة إلى فكر فرعوني ليس بالسوء الذي يستحق الإساءة. الاتهامات المتبادلة خارج الموضوع، والموضوع ليس فقط تردي الحال الاقتصادية، بل انهيار تقاليد ثقافية، تارة باسم التعصب وأخرى باسم صوت السلطة الوحيد الأوحد. باعة الأوهام وحدهم حاضرون في غياب نهضة اقتصادية وانفتاح حضاري وثقة بالذات مطلوب التركيز عليها. ونفترض أن المصري هو أكثر سكان عالمنا ثقة بحضارته لأنه يعيش في متحف هذه الحضارة المفتوح. فليكن المتحف هذا حياً في النفوس، لا ذكرى يقبل على مشاهدتها السياح أو مجرد موعظة غير حسنة. ولا بد من ملاحظة أن إحصاء أعمال وأملاك ومزايا أتباع الديانات والقوميات كان دائماً علامة انهيار. نذكر في هذا الشأن إحصاءات النازيين قبل الحرب العالمية الثانية. نحن العرب يعيش معظمنا في دول ذات قوانين ديموقراطية تحترم المواطنة، لكننا كجماعات نمارس سلوكاً نازياً، إذ تعمد كل جماعة إلى إضعاف الأخرى حتى يسقط المجتمع كله في الضعف والهوان. الثلثاء 25/11/2008 : أبواب السيدة الخضراء في حقل أخضر وخلفها بحيرة. تحرك يديها للتنبيه أن الهواء جزء من المشهد وليس غائباً. تتحدث عن أسوار وأبواب في الأسوار، وأن للطبيعة ما يوازيها في نفوسنا، وكيف يشبه مطر الخارج مطر الداخل حيث تبترد مخاوفنا، مطر يدفع الأحلام إلى الواقع ويخرجنا من عزلة إلى حب. السيدة الخضراء سراب، ونحن الحقول والأسوار. والأبواب رغباتنا، تفتح قليلاً وتقفل كثيراً، بين وحشة وأنس. موقف للحيرة قد يستغرق العمر، بين الحيوية والحنين إلى السبات. الأربعاء 26/11/2008 : عتبة الحرب إيقاع مدينة قبل أشهر من الحرب، قد تكون المدينةباريس أو برلين أو بيروت أو القاهرة. إنها برلين في فيلم"كباريه"الذي شاهدته، ربما للمرة الثالثة. وهو مقتبس عن روايتي الكاتب الإنكليزي كريستوفر إيشوروود الذي عاش في برلين بين عامي 1929 و1933 وكتب عن تجربته روايتي"السيد نوريس من قطار الى آخر"و"وداعاً برلين". أما الفيلم فأخرجه بوب فوس وأدى بطولته ليزا مينللي ومايكل يورك. خليط أفكار تختلط بمشاهد الفيلم وموسيقاه واستعراضاته وأغانيه التي تشارك في أدائها ليزا مينللي وتبقى في الذاكرة. عند عتبة الحرب لحظات الحياة مسروقة، الحب، الرغبة، الكلام الصريح، سقوط المواضعات، الإقبال على المتع في مقابل حماسة غامرة لمحاربين أعدتهم قياداتهم لموت سعيد: نادي الاستعراض والغناء دائرة أخيرة لوعي يتركز على الحياة وحدها، حيث مزيج من إيقاع وغناء ورقص وتهريج، ولا حدود جمالية للعروض يتقدم الجميل والقبيح معاً، ولا حدود للنوع فقد تكون المرأة رجلاً والرجل امرأة. وهذا القلق الحبيس الذي لا تكفيه عروض النادي يقف صاحبه تحت جسر السكة الحديد حتى إذا مر القطار تعالى صراخ الرجل القلق أو المرأة القلقة بلا حدود مختلطاً بضجة تملأ المكان. الصراخ تفريغ للقلق واعتراض بالصوت على كل ما يؤذيك في هذا العالم. مدينة تتركها نخبة سكانها فنرى الوداعات الأخيرة للأصدقاء أو الصداقات الأخيرة قبل اشتعال الحرب. تلملم الكاميرا جواهر الحياة المرمية من النوافذ. لا يرى الفنان الغرف العالية. يعلن ما يشبه الإضراب عن عيش الحاضر، يستبدله بما تنتج المخيلة من تركيبات أمكنة وأزمنة وإيقاعات. آخر المعليات المستوردة والخبز الرائع الذي هرب صانعوه وتركوا الحياة في مستوى التقشف والحد الأدنى الذي يمكن أيضاً أن يتدنى. الموسيقى هي العولمة. كيف لم ننتبه الى ذلك في السنوات العصيبة التي مرت بنا ومررنا بها؟ وأي موسيقى تعزف هاتيك النساء السمينات، موسيقى سمينة متثاقلة أم مرحة مثل مرحهن؟ تبقى المغنية النجمة وحدها مع الموسيقيين قبل أن يضرب النازي ضربته، تغني بلا جمهور: تعالوا الى عالمنا عالم الموسيقى. الخميس 27/11/2008 : أسوار الليل بعتمته القليلة والحديقة بلا أسوار حيث الشجر قليل لا يحجب الضحكات. النهار للنوم في صيف سريع، والفرح يضيء ليل الصدفة، ولا تبقى صدفة عندما تكون هبة من يعطي المواعيد ويوزع الحب والرضى. في آخر الصيف العصافير الصغيرة تأكل ما تبقّى على البيادر، ترفرف حول ذات الفستان الربيعي يغزو الصيف بأزهاره الصارخة، يتبارى القماش مع جمالها فيتساويان، تقول متواضعة، وهي الربيع في الفصول كلها وفرح الليالي. النهار لنا، في بلادنا، بعد هجرات أورثتنا المآسي، والليل موعدنا الباقي، ولكن، في حديقة عالية الأسوار هل هي عالية؟. نشر في العدد: 16675 ت.م: 29-11-2008 ص: 32 ط: الرياض