النوم مسألة أساسية في حياة الإنسان، فهو يعطي صاحبه فرصة ذهبية كي يستعيد نشاطه وحيويته، والشخص البالغ يحتاج وسطياً الى ثماني ساعات في اليوم ليتمكن من شحذ قواه العقلية والجسدية لمواجهة أعباء الحياة واستعادة الجملة العصبية توازنها لتقوم بمهماتها المنوطة بها على أفضل ما يرام. ان النوم عالم قائم بذاته، وهو عالم ما زال يكتنفه الكثير من الغموض، غير ان الدراسات المتعلقة به استطاعت ان تميط اللثام عن عدد من الحقائق التي يجدر بنا ان نلم بها: يتألف النوم من مراحل عدة هي: - المرحلة الأولى، وتبدأ عندما يأوي الشخص الى فراشه، وتحصل بعض المظاهر الفيزيولوجية مثل التثاؤب وانخفاض حرارة الجسم وانحدار في إفراز هرمونات الغدة فوق الكلية. وينتاب الشخص في هذه المرحلة شعور بأنه خفيف الوزن أو انه يطفو في تيار من الماء، وتترافق هذه المرحلة مع انخفاض في شدة موجات المخ الكهربائية. - المرحلة الثانية، وفيها يتغير شكل موجات المخ الكهربائية، وتترافق مع انخفاض في الوعي ولكن يمكن إيقاظ النائم بسهولة. - المرحلة الثالثة، ويحدث فيها انخفاض كبير في النشاط الكهربائي للمخ، ويكون النوم هنا متوسط العمق ويترافق مع انتظام دقات القلب وبطء في معدل التنفس وانخفاض ضغط الدم. - المرحلة الرابعة، وتتميز بالنوم العميق، وفيها لا يستجيب النائم الى معظم المنبهات الخارجية ومن الصعب إيقاظه. وفي هذه المرحلة تحصل الكوابيس والمشي أثناء النوم. - المرحلة الخامسة، وتسمى بمرحلة حركة العين السريعة، وهنا يسبح النائم في مرحلة قريبة من المرحلة الأولى، وفي هذه المرحلة تقع الأحلام. ان مجموع المراحل السابقة ينضوي تحت عنوان يعرف بدورة النوم، وهذا يعني ان فترة النوم تتألف من دورات متعاقبة كل واحدة منها تستغرق من 90 الى 120 دقيقة، وتتكرر دورة النوم تباعاً وفقاً لعدد ساعات النوم التي ينامها الشخص لتبلغ لدى الشخص الطبيعي 4 الى 6 دورات. ان حاجة الإنسان الى النوم تتباين من شخص الى آخر، وهناك قوة أساسية تتحكم في هذه الحاجة هي الساعة البيولوجية، التي توعز الى الشخص متى يجب عليه أن يخلد الى النوم، وفي كثير من الأحيان قد لا يتوافق هذا الموعد مع ذاك الذي تفرضه ظروف الحياة الاجتماعية والمهنية والعائلية، وفي هذه الحال يفضل لو تم تقريب الوقتين من بعضهما للحصول على النوم الجيد. يجدر التذكير هنا ان السهر الى ساعات متأخرة والاستيقاظ في وقت متأخر يشكلان دعوة مفتوحة لحدوث اضطرابات النوم لعدم احترامهما الساعة البيولوجية وهذا بالتالي ما يخلق تشويشاً يطاول مراحل النوم. ان النوم ليس حالة خمول كما يحلو للبعض ان يسميها، ان أقساماً من المخ تبقى نشطة أثناء النوم لتنذرنا بما قد يحدث خلاله، عدا هذا بينت التحريات العلمية ان فترة النوم تشهد العديد من النشاطات التي تجري في الجسم عموماً وفي المخ خصوصاً، ففترة النوم تشكل فرصة يتمكن الدماغ من خلالها من تنظيم الذكريات وتعزيز التجارب الحياتية التي جرت أثناء النهار. اكثر من هذا وذاك، ففي دراسة أعدتها الباحثة جسيكا باين من جامعة هارفارد، أوضحت ان النوم يلعب دوراً اساسياً في تذكر أو نسيان الأمور التي تحدث في حياة الشخص وذلك بحسب أهميتها من الناحية العاطفية. ان قلة النوم تترك آثاراً سلبية على الشخص لأنها تخلف اضطرابات تنال من كل أجهزة الجسم، خصوصاً الجهاز العصبي، والخلل الذي يطرأ على هذا الأخير يجعل صاحبه عاجزاً عن التعامل في شكل مناسب مع ظروف الحياة اليومية وعلى الأخص المهنية منها، وهذا ليس مستغرباً اذا عرفنا ان قلة النوم تؤثر أكثر ما تؤثر على الذاكرة والتركيز والمزاج وسرعة اتخاذ القرارات. وفي دراسة سابقة قام بها علماء النوم في الولاياتالمتحدة تبين ان قلة ساعات النوم تسبب الغباء والبدانة، وتقصف الأعمار في كثير من الأحيان، لا بل انها تفتح الباب لاستيطان أمراض تضرب القلب والأوعية الدموية. وعن علاقة قلة النوم بالبدانة، أظهرت 30 دراسة بحثية أجريت على أشخاص ينتمون الى سبع دول وجود رابط ما بين قلة النوم وزيادة الوزن لدى الكبار والصغار، وتناولت الدراسة هرمونين أساسيين ينتجهما الجسم ليلاً ويلعبان دوراً في تنظيم الشهية هما: هرمون ليبتين الذي تطرحه الخلايا الدهنية، وهرمون غريلين الذي تفرزه المعدة، وفي هذا الصدد تقول الباحثة الفرنسية كارين شبيغل ان الإقلال من النوم مدة أربع ساعات في ليلتين أدى الى تراجع في افراز الليبتين القاطع للشهية بنسبة 18 في المئة، والى زيادة إفراز هرمون غريلين المحرض للشهية بنسبة 28 في المئة، وبحسب الباحثة شبيغل فإن هذه التغيرات مرتبطة بزيادة الجوع والشهية خصوصاً نحو مأكولات غنية بالحلويات والدهنيات. وفي ما يتعلق بتأثير قلة النوم على المراهقين فحدث ولا حرج، ففي دراسة حديثة لباحثين من جامعة"كيس ويسترن ريزيرف"في كليفلاند بولاية اوهايو، اكتشف العلماء ان المراهقين الذي ينامون أقل من ست ساعات ونصف الساعة في الليل هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وفي حال ترافقت قلة ساعات النوم مع اضطرابات في النوم فإن الخطر يزداد. وفي معرض تعليقها على الدراسة قالت الدكتورة سوزان ريدلاين الاختصاصية في طب الأطفال، التي أشرفت على الدراسة، ان مشكلة قلة النوم واضطراباته لدى المراهقين ترجع في قسم كبير منها الى الغزو التكنولوجي لغرف النوم بأجهزة الكومبيوتر والهواتف المحمولة والموسيقى. وغني عن التعريف الأخطار التي يزرعها ارتفاع الضغط الشرياني على الأعضاء الحيوية في الجسم كالقلب والدماغ والكلى والشرايين وغيرها. وفي المختصر ان تقليص ساعات النوم سواء كان مقصوداً او عن غير قصد يعتبر نافذة لعبور المشكلات الصحية، من هنا على الراغبين في السهر ساعة او ساعتين، او الاستيقاظ قبل ساعة أو ساعتين من الموعد المعتاد ان يعدوا الى العشرة قبل الشروع في التنفيذ لأن الخطر سيكون في الانتظار. كما هي الحال مع قلة النوم فإن كثرة النوم تسبب بعض المشاكل الصحية، ففي دراسة أميركية نشرت في مجلة"ستروك"وطاولت اكثر من 93 ألف امرأة تراوحت أعمارهن بين 50 و 79 عاماً، واستغرقت أكثر من سبع سنوات، سجل البحاثة زيادة في خطر وقوع السكتة الدماغية بلغت 70 في المئة بين النسوة اللاتي كن ينمن أكثر من تسع ساعات في الليلة مقارنة باللاتي نمن حوالى سبع ساعات ليلياً. صحيح ان النوم الكافي هو عناوين للصحة ولكن قد يفكر البعض في ان زيادة عدد ساعات النوم تجعل النوم اكثر عافية، والواقع ان هذا الاعتقاد خاطئ، فالنوم أكثر بهدف جلب راحة أكبر للجسم هو مفهوم غير صحيح لأن النوم الذي يفوق حاجة صاحبه قد يشكل وبالاً عليه فيجعله عرضة للكثير من المطبات الصحية كأمراض القلب والدماغ. هناك أمراض للنوم من بينها مرض النوم القهري، وفيه تهاجم المصاب نوبات النعاس في عز النهار من دون ان يستطيع مقاومتها، والمشكلة الكبرى هي عندما تحصل نوبة النعاس في أوقات حرجة مثل قيادة السيارة او عند تنفيذ مهمات تتطلب الانتباه والتركيز الأمر الذي تنتج منه عواقب وخيمة. ان مرض النوم القهري هو داء عضوي يعاني المصابون به الأمرّين قبل ان يتم تشخيصه. ومن بين أمراض النوم داء يعرف بمرض النوم الأفريقي، وأول من اكتشفه الطبيب الإنكليزي الجراح ديفيد بروس، وسبب هذا الداء طفيلي من جنس المثقبيات تنقله ذبابة"تسي تسي"، وينتشر هذا المرض بكثرة في المناطق المدارية خصوصاً في المناطق الريفية في افريقيا، من هنا تسمية المرض بداء النوم الأفريقي. بعد لدغة الذبابة يتورم مكان العضة ويصبح أحمر عقدياً ومؤلماً، وفي غضون أسابيع يعاني المصاب من الحمى والتعرق الغزير والصداع والتهيج، ومع تطور المرض يهاجم الداء الجهاز العصبي فيميل المريض الى النعاس والنوم اللذين يصعب التحكم بهما، وإذا لم تتم المعالجة في الوقت المناسب يدخل المصاب في عالم الغيبوبة التي تنتهي بالموت. أخيراً لا بد من كلمة عن القيلولة، ان هذه الغفوة التي يأخذها الناس في فترة ما بعد الظهيرة لها انعكاسات طيبة على صاحبها، فهي تساعد في التخلص من ضغوط الحياة اليومية لأنها تلجم إفراز هرمون الغضب فيغدو الشخص عند اليقظة مسترخياً ومستعداً لمواجهة الأعباء التي تنتظره. إضافة الى هذا فالقيلولة تساهم في تنظيم مراحل النوم ليلاً، وتسهل من عملية الهضم، وتساعد على حسن سير الأداء الذهني والجسمي. وإذا كان للقيلولة الفوائد التي ذكرناها فهذا لا يعني ان نطيل من مدتها، فالقيلولة يجب ألا تتعدى الأربعين دقيقة بحسب الباحث الإسباني سيزار اسكالانتي، وفي حال تجاوز هذه المدة فإن آثاراً سلبية قد تظهر على صاحبها فتجعله قلقاً مضطرباً وسيئ المزاج.