الانهيار المالي يومي الاثنين 15و29 من أيلول، جعل من الصعب التنبوء بالتغيرات التي يتوقع أن تطاول النظام الرأسمالي الأميركي. وإثر تصويت مجلس النواب الاميركي ضد اقرار خطة وزير الخزانة الاميركي، خسر مؤشر داو جونز 1.2 تريليون دولار من قيمة أسهم شركاته في يوم واحد. ويبدو أن الديموقراطية الأميركية اصطدمت بالرأسمالية. وخالف الجمهوريون رئيسهم، واقترعوا في مجلس النواب ضد مشروع القانون. وبعضهم رأى أن معارضة المشروع هو خيار ايديولوجي. فهم يفضلون الموت على تأييد تعزيز دور الحكومة في الاقتصاد والسوق، ويرون أن هذا التأييد يعبد الطريق أمام الاشتراكية، بل حتّى البولشيفية. واقترع ضد القرار نواب ديموقراطيون وجمهوريون. فهم يخشون خسارة مقاعدهم، على مشارف انتخابات 4 تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وتلقى عدد كبير منهم سيلاً من الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية يطلب فيها المواطنون الغاضبون أن تتخلى واشنطن عن وول ستريت، وألا تهب لنجدتها. وراعى النواب من كلفوهم تمثيلهم. وهذا وجه من وجوه الديموقراطية. ولكن لماذا جاء رد الأميركيين على هذا النحو؟ فالأوروبيون لا يترددون عادة في اللجوء الى الدولة، ومطالبتها بإنقاذ الأسواق المالية. ولكن جذور مناوأة الأميركيين واشنطن ووول ستريت ضاربة في القدم. وفي أميركا مطلع القرن ال 21، يزداد الأغنياء ثراء، ومنهم صاحب خطة الإنقاذ المالي وزير الخزانة هنري بولسون، والفقراء فقراً. الأرجح أن يتوب مجلس النواب عن رفض خطة الإنقاذ المالية، ويصادق على نسخة معدلة منها. ومثل هذه الخطوة تخول المصارف استئناف عملية التسليف والإقراض من جديد، وقد تجنبنا كساداً كبيراً. ولكن السؤال عن الرأسمالية الديموقراطية يبقى قائماً. ومنذ ربع قرن، وقبيل ما يُعرف ب"ثورة ريغان"، نشر مايكل نوفاك، وهو منظر اجتماعي أميركي كاثوليكي، كتابه"روح الرأسمالية الديموقراطية". وزعم أن الرأسمالية لا تنفلت من الديموقراطية. وكتب" قد ينمو بعض أشكال الرأسمالية في فضاء غير ديموقراطي. ولكن مسار الرأسمالية الطبيعي يفضي إلى الديموقراطية". وفي 2008، يبدو مسار الرأسمالية غير الديموقراطي بالصين في مثابة الكارثة. ويزعم ون جياباو، رئيس الوزراء الصيني، في حديث"نيوزويك"أن نظام بلاده يتحلى ببعض الفضائل التي وسم بها نوفاك الرأسمالية الديموقراطية، ويفتقر إليها النموذج الأميركي، على قول جياباو. ومن هذه الفضائل الاعتدال والحكمة والعدالة. وتجمع الصين بين اقتصاد السوق والاقتصاد الكلي الموجه. ويبعث على الدهشة أن المسؤول الصيني يستند إلى عملين رئيسيين لآدم سميث،"ثروة الأمم"و"نظرية المشاعر الأخلاقية". ويسلط الكتاب الأول الضوء على دور يد السوق الخفية، والثاني على الحاجة الى يد الحكومة الظاهرة والفاعلة في إرساء العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة. ولكن، على خلاف مزاعم جياباو، يتفشى الفساد في النظام الصيني. والزعم أن نموذج الرأسمالية المنفكة من الديموقراطية أفضل من النظام الأميركي الرأسمالي الديموقراطي ضعيف الصلة بالواقع. والحق أن الرأسمالية الديموقراطية الأميركية هي تحت المجهر. وهي تواجه مشكلات محلية ضخمة ومنافسة هائلة. ويميل بعض الأوروبيين الى الإشارة على الأميركيين بانتهاج النموذج الإنساني والعادل من الديموقراطية الاجتماعية الرأسمالية. وبعد تجاوز الأزمة، قد يبدو دور الدولة في اقتصاد الولاياتالمتحدة شبيهاً بدورها في بعض البلدان الأوروبية. ولكن علينا ألا ننسى أن معظم اقتصادات أوروبا تسعى في خلق فرص العمل، وتعزيز الابتكار العلمي وروح المبادرة. وهذا ما حققه الاقتصاد الأميركي في العقدين الماضيين. وتواجه الديموقراطية الأميركية، اليوم، تحدي إصلاح نموذج الرأسمالية الديموقراطية، وتطويره، وتحسينه. عن تيموثي غارتون آش"غارديان"البريطانية، 2 /10/ 2008