على رغم تماهي الجاليات العربية مع مواقف المرشح الديموقراطي باراك أوباما المعارضة للحرب في العراق والداعية الى اغلاق معتقل غوانتانامو، تحتل القضايا الداخلية من حقوق مدنية وتفاعلات قانون"باتريوت أكت"لمكافحة الارهاب في الداخل، الأولوية لدى هذه الجالية في الولاياتالمتحدة، وتحشد ناخبيها وبكثافة غير مسبوقة الى صناديق الاقتراع في أقل من أسبوعين وبأكثرية مؤيدة للديموقراطيين. ويمثل التحول نحو قضايا الداخل تغييراً جذرياً في توجه الجالية التي طالما صوتت للسياسة الخارجية الأميركية، مفضلة الجمهوريين أو مرشحين مستقلين مثل المرشح اللبناني الأصل رالف نادر أو ال"ليبيرتاري"رون بول. ويبلغ عدد الناخبين الاميركيين - العرب نحو 5،3 مليون، لكنهم يتجمعون في ولايات حاسمة مثل ميتشيغن وبنسلفانيا وفرجينيا وأوهايو. وتجدر الاشارة الى أن هذه الولايات هي موضع منافسة بين المرشحين، اذ تتزايد نسبة الإنفاق على الحملة الانتخابية في كل منها في شكل خيالي، كما أظهرت آخر الأرقام التي تشير الى أن حملة أوباما أنفقت مليوني دولار في أسبوع واحد على اعلانات تلفزيونية في ولاية فرجينيا، أي أربعة أضعاف ما انفقه خصمه الجمهوري في الفترة ذاتها. واسترعت الجالية انتباه الحملتين، ما دفعهما الى إضافة صفحة للاميركيين - العرب على موقعيهما الاكترونيين لاستقطاب أصوات هؤلاء، كما أطلق أبناء الجالية حملات توعية لزيادة اقبال الناخبين، من بينها حملة"يلا فوت"صوت لتسجيل الشباب العرب وزيادة نسب المشاركة في الحياة السياسية. الا أن الأرقام، وبحسب دراسة نشرتها المؤسسة العربية - الأميركية أخيراً، تشير الى أن الأميركيين - العرب يميلون نحو أوباما بنسبة 54 في المئة في مقابل 33 لماكين، وأن شعبية الحزب الديموقراطي بلغت الذروة في تاريخ الجالية وبنسبة 46 في المئة في مقابل 20 في المئة فقط للحزب الجمهوري، في حين كان تأييد الجالية للحزب الديموقراطي 40 في المئة في عام 2000 في مقابل 38 في المئة للحزب الجمهوري بحسب الدراسة. المفارقة هذه الدورة، وكما تشير الأرقام، هي أن 40 في المئة من مناصري أوباما اختاروه مرشحهم للرئاسة من أجل سياسته الداخلية مقابل 3 في المئة فقط بسبب سياسته الخارجيّة. أما بالنسبة الى ماكين، فإن 19 في المئة من مناصريه اختاروه للرئاسة من أجل سياسته الداخليّة مقابل 16 في المئة من أجل سياسته الخارجية. وتبرز هنا مجموعات لبنانية مؤيدة لماكين مثل مجموعة"لبنانيون من أجل ماكين"وتبرر دعمها بمواقف المرشح المتشددة حيال سورية وايران والداعمة لسيادة لبنان، كما تبدي تحفظات عن رصيد أوباما وتأييده للانخراط في حوار مع دمشق وطهران. الا أن التوجه العام للأقلية العربية - الأميركية يعكس تركيزاً على قضايا الداخل، بعدما كانت السياسة الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط جعلتهم يؤيدون بوش الأب في عام 1988 وبوب دول في 1996 جمهوريين ومرة أخرى الرئيس الحالي جورج بوش في 2000 لأسباب تتعلق بسياسات جمهورية متشددة حيال اسرائيل، وجهود بوش الأب في مؤتمر مدريد الى جانب وجود السناتور اليهودي الأميركي جوزيف ليبرمان على التذكرة الديموقراطية، ما أثار تحفظات الجالية اليوم. ويعتبر ليبرمان اليوم من أبرز الداعمين لماكين ومن المرشحين لتولي منصب الخارجية أو الدفاع في حال فوزه. ويشير المحللون السياسيون الى أن هذا التفاوت بين المرشحين وارتفاع شعبية الحزب الديموقراطي يعودان الى سوء تطبيق السياسة الخارجية من جانب الجمهوريين خلال السنوات الثماني الماضية. ويتضح من دراسة المؤسسة العربية - الاميركية ان الحرب في العراق ما زالت المسألة الأهم لدى الناخبين الأميركيين العرب، الى جانب ممارسات الاستجواب ضد المعتقيلن في هذه الحرب في سجون أبو غريب وغوانتانامو. لكن الموقف السلبي للعرب الأميركيين من سياسة جورج بوش لا يفسر الشعبية الضئيلة لسياسة أوباما الخارجية، على رغم نيله تأييد غالبية أصوات هذه الجالية. فهو يقدّم حلولاً لمعظم هذه المسائل المهمة لجهة انسحاب القوات الاميركية من العراق وإغلاق معتقل غوانتانامو والتزام معالجة الصراع العربي - الاسرائيلي"إضافة الى مبادرة الحوار مع ايران. فما الذي تغير في انتخابات 2008 ليحول انتباه الجالية العربية الاميركية عن أمور السياسة الخارجية؟ غالبية العرب غير مسلمين من البديهي أن تدهور الوضع الاقتصادي هو الموضوع الشاغل لكل فئات المجتمع الأميركي، بمن فيهم العرب الأميركيون، لكن أموراً أخرى جعلت هذه الجالية تلتفت الى السياسة الداخلية خلال هذه الانتخابات وتقلل من شأن السياسة الخارجية. فمنذ احداث 11 أيلول سبتمبر 2001، تتعرض الجالية العربية في الولاياتالمتحدة الى تمييز عنصري، ما يضع أفرادها في خانة"الارهابيين"، كما يهدد سلامتهم في موطنهم. وتجدر الاشارة هنا الى أن 75 في المئة من العرب في الولاياتالمتحدة ليسوا من المسلمين. ويشير سام ابراهيم، وهو عضو في مجموعة"عرب أميركيون من أجل أوباما"الى ان حياته في الولاياتالمتحدة كانت مهددة خلال السنوات السبع الماضية، ما يجعله يميل الى مرشح رئاسي يؤيد حقوق الانسان ويحترم أهمية المساواة العرقية ويعمل على تطبيق الدستور الأميركي واحترامه، بخلاف الادارة الحالية. التغيير الجذري في توجهات عرب اميركا، وسعيهم الى سياسة داخلية أفضل تؤمن حقوقهم المدنية وتحميها، لا يعنيان أن هذه الجالية تخلّت عن تأييد سياسة عادلة وشاملة في الشرق الأوسط. لكن هذه الانتخابات تبلور ظاهرة جديدة فريدة من نوعها لدى العرب الاميركيين، اذ انهم سيتجهون الى صناديق الاقتراع بعد أقل من أسبوعين ليصوتوا كأميركيين دفاعاً عن حقوقهم المدنية كمواطنين في الولاياتالمتحدة وولاء للدستور الأميركي، وليس كعرب مؤيدين لسياسة خارجية معينة.