أكمل اليوم بتقرير موثق كتبه أندرو سكوت كوبر عن سقوط شاه إيران بعدما اختلف مع الأميركيين على أسعار النفط بعد الحظر المشهور سنة 1973 الذي لم يشارك فيه. في سنة 1973، وأنا رئيس تحرير الديلي ستار في بيروت، دُعيت الى زيارة إيران، بعد طرد العراق ألوف المواطنين الإيرانيين عبر الحدود الى الشمال من بغداد. وزرت فعلاً خورنشاه، وكان اللاجئون في خيام تديرها جمعية الأسد الأحمر والشمس، أو ما يعادل الهلال الأحمر في البلاد العربية والصليب الأحمر في الغرب. كان وزير خارجية إيران مختار خلعتبري الذي أعدمته الثورة الإسلامية وذهبت ومجموعة من الزملاء الى مكتبه في الوزارة ليحدثنا عن حفلة استقبال يستضيفنا فيها الشاه في قصره. وبدا الوزير خائفاً، وحدثنا مرة بعد مرة عن ضرورة التزام البروتوكول حرفياً، فكل واحد منا يسأل الشاه سؤالاً غير سياسي، ثم يتوجه الى حيث اقترح الوزير ليقف مع مسؤولين إيرانيين، أو ديبلوماسيين. ورجانا الوزير ان نصغي جيداً، وأن ننفذ ما يطلب، وقال صراحة إننا إذا خالفنا المطلوب، فلن يحدث لنا شيء، لأننا سنعود الى بلادنا، ولكنه سيدفع الثمن ونحن أصدقاء ولا نريد ان نضرّ به. كل ما سبق كتبته وسجلته في حينه، وقد وجدت الشاه يعامل كأنه ليس من جنس البشر، غير أنني أختار ان أترجم اليوم فقرة من تقرير أندرو سكوت كوبر، مع بعض الاختصار: صاحب الجلالة الأمبراطورية الشاه محمد رضا بهلوي، نور الجنس الآري، ملك الملوك، ظل الله على الأرض، احتل مكانة خاصة عند ريتشارد نيكسون، فقد عرف الرجلان أحدهما الآخر على مدى أكثر من 20 سنة وتبادلا الإعجاب. وكانت ايران تعتبر"قائد المئة"في تصرف اميركا في آسيا الغربية فتحمي مداخل الخليج الفارسي. كانت منتجاً رئيساً للنفط، وقد بدأت تبرز كقوة عسكرية. وأنتجت حقول إيران ستة ملايين برميل من النفط في اليوم، وأمن سلاحها البحري مرور 25 مليون برميل نفط يومياً عبر مضائق هرمز لإطفاء عطش أوروبا واليابان وإسرائيل والولاياتالمتحدة، وعملت قواتها العسكرية المجهزة جيداً كعازل بين الاتحاد السوفياتي والخليج. وبعد قرار بريطانيا الانسحاب عسكرياً من الخليج سنة 1971، وافقت إدارتا جونسون ونيكسون على تسليح الشاه لملء الفراغ الناجم عن سحب القوات البريطانية. ووافقت الولاياتالمتحدة عندما انتهك الشاه القانون الدولي واستخدم القوة في الاستيلاء على ثلاث جزر ذات موقع استراتيجي مهم عند مدخل مضائق هرمز هي: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. وحيّت الصحافة الأميركية إيران بصفتها"عملاق ممرات النفط"، ولم تترك الولاياتالمتحدة أيام الشاه سوى وجود بحري رمزي في الخليج. ووصف نيكسون الشاه بأنه"أفضل صديق لنا"... وفي مناسبة أخرى قال نيكسون انه كان يتمنى لو"ان هناك مزيداً من القادة حول العالم لهم بُعد نظر الشاه وقدرته على ترؤس نظام ديكتاتوري، بطريقة ليّنة". وقارن نلسون روكفلر، نائب الرئيس جيرالد فورد، الشاه بالاسكندر المقدوني واعترف في مجالس خاصة بأن المؤسسات الشعثاء للديموقراطية الأميركية ربما تستفيد من اتباع مثل اليد الحازمة للشاه،"فهو يمكن ان يعلمنا كيف نحكم أميركا". وكتب أسد الله علم، وزير البلاط الأمبراطوري وصديق الشاه، في مذكراته ان هنري كيسنجر"أطرى على الشاه كثيراً وقال انه يتمنى لو ان الرئيس فورد يقلد مثله". لا عجب بعد كل هذا ان أجد الشاه في حفلة الاستقبال يتصرف كطاووس، وأن أنسى أنني في الطريق الى شمال إيران رأيت قرى حولها مغاور يقيم فيها ناس مع ماشيتهم، وكأنهم لا يزالون في العصر الحجري. ومرة أخرى فقد سجلت ما رأيت في حينه، وأرجو ألا تخونني الذاكرة في التفاصيل، وأنا أعود إليها بعد ان قرأت التقرير عن أسرار سقوط الشاه، عندما تخلت عنه الولاياتالمتحدة لإصراره على رفع أسعار النفط. لا نحتاج الى الشاه مثالاً في التعامل مع الولاياتالمتحدة بغض النظر عن نوع الإدارة في واشنطن، فالإدارات تتغير، إلا ان المصلحة الذاتية تبقى، وهي أهم من أي صداقة أو تحالف، والعبارة"لا صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة"مستهلكة، إلا انها تبقى صحيحة.