ألقت بالحطب في صندوق وراء الموقد. ثم نزعت المعطف والقبعة وتناولت وزرة ملوثة من على الحائط ولبستها وأشعلت النار في الموقد. وفيما راحت تفعل ذلك، تضرب قضبان الأثافي وتطقطق على الغطاء، جعلت المسز كمبسن تناديها من أعلى الدرج. كانت ترتدي"روباً"من الساتان المضرّب، وقد أمسكت بياقته تحت ذقنها، وفي يدها الأخرى قربة ماء حار من المطاط الأحمر، ووقفت في أعلى الدرج تنادي دلزي على فترات نظيمة رتيبة النبرة، مرسلة نداءها نزولاً على السلّم الهاجع المنحدر الى الظلام، المنفتح ثانية حيث يقع عليه قبس من نافذة شهباء. وراحت تنادي دلزي، دونما توكيد أو عجلة أو اضطراب نبرة، كأنها لا تصيخ بسمعها لجواب أبداً."دلزي". فأجابتها دلزي وكفت عن طقطقة الموقد، لكن قبل أن تنتهي من عبور المطبخ، نادتها المسز كمبسن مرة أخرى، وقبل أن تعبر غرفة الطعام وتبرز رأسها في وسط رشقة النور الشهباء من النافذة، نادتها مرة أخرى. قالت دلزي:"طيب، طيب، إني هنا. سأملأها حالما أسخن شيئاً من الماء". وجمعت أطراف ثوبها وارتقت الدرج، مغطية النور الأشهب كله."ضعيها هناك وعودي الى فراشك". قالت المسز كمبسن:"لم أقدر أن أفهم ما الأمر، فقد بقيت يقظة في فراشي لساعة على الأقل من دون أن أسمع أي حسٍ من المطبخ". قالت دلزي:"ضعيها عنك هناك وعودي الى فراشك"، وهي تكد بألمٍ في صعودها الدرج، لاهثة، عديمة الشكل."سترتفع النار في دقيقة، ويسخن الماء بعد ذلك بدقيقتين". قالت المسز كمبسن:"ساعة على الأقل مرّت عليّ وأنا يقظة في فراشي، فقلت لعلك تنتظرين مني أنا أن أنزل وأشعل النار". بلغت دلزي أعلى الدرج وتناولت قربة الماء، وقالت:"سأملأها في دقيقة. ظلّ لستر نائماً هذا الصباح على غير عادته، لأنه بقي حتى منتصف الليل في ذلك السيرك. سأشعل النار بنفسي. فعودي، لئلا توقظي الآخرين قبل أن أتهيأ". قالت المسز كمبسن:"كلما أذنتِ للستر بأمورٍ تتدخل بعمله، كان عليك أنتِ أن تتحملي العواقب، ولن يروق ذلك لجاسن إن هو سمع به. وأنت تعرفين ذلك". فقالت دلزي:"وهل ذهب الى السيرك بنقود جاسن؟ لا والله، ما ذهب بنقود جاسن". وأخذت تنزل الدرج، وعادت المسز كمبسن الى غرفتها. وفيما هي تدخل بين طيات فراشها ثانية بقيت تسمع دلزي وهي تهبط الدرج بذلك البطء الهائل الأليم الذي يبعث السامع على الجنون. * هذه الزاوية تتذكر كتاباً وتدل القراء اليه. رواية"الصخب والعنف"للأميركي وليم فوكنر 1897 - 1962 صدرت في 1929. ترجمها جبرا ابراهيم جبرا الى العربية وصدرت عام 1963 في بيروت. المنشور أعلاه مقطع منها.