أمين .. عامل آسيوي تعب كثيراً للحصول على تأشيرة عمل في السعودية، وعند حصوله على تأشيرة العمل، ارتسمت في مخيلته أحلام عدة منها الزواج من قريبته، وبناء منزل صغير يضمهم معاً في قريته الصغيرة، قدم (أمين) إلى السعودية والتحق بإحدى الشركات المسئولة عن أعمال النظافة، ولم يكتفِ (أمين) بعمل الشركة فقط.. بل إنه أخذ يستغل وقت الفراغ في امتهان أي عمل شريف يجلب له المال، وفي نهاية اليوم يأتي منهكاً إلى ذلك المنزل الشعبي الذي استأجرته الشركة ليكون سكناً لعمالتها، 15 عاملاً يقطنون ثلاث غرف صغيرة، يأتون كل يوم بعد الظهيرة منهكين يبحثون عن لقمة تسد جوعهم حتى يكملوا فترة عملهم المسائية، بالإضافة للغرف الثلاث يحتوي المنزل الشعبي على مطبخ صغير يتعاقب عليه العمّال لإعداد وجبة الغداء، عدد من اسطوانات الغاز تملاً المطبخ.. ولا يعلم أحد من العمّال أيها الممتلئ وأيها الفارغ من الغاز.. إلا عندما يخفت اللهب الصادر من الموقد، ثم يتم استبدال الاسطوانة الفارغة بأخرى ممتلئة، حتى تفرغ جميع الاسطوانات حينها يتم استبدالها باسطوانات ممتلئة من قبل موزع الغاز. وفي إحدى الأيام وصل (أمين) إلى السكن قبل صلاة العصر بقليل، والجوع والتعب بلغا منه مبلغهما، فذهب إلى المطبخ لإعداد وجبة غداء بسيطة له يسد بها جوعه، أخذ بتقطيع حبات البطاطا إلى قطع صغيرة ثم وضعها في إناء خاص، وأخذ بوضع الزيت في المقلاة وأشعل تحته الموقد بعدها وضع المقلاة فوقه ثم اخذ يضع قطع البطاطا على الزيت ويقلبها، وأثناء تقليبه لها شعر بشيء من العطش، فترك المقلاة على الموقد المشتعل وذهب إلى الثلاجة لشرب شيء من الماء، ولم ينتبه جيداً لقطرات الزيت الثائرة وهي تتقافز من المقلاة!! فتح الثلاجة وأخذ زجاجة الماء، وبعد أن ارتشف قطرات من الماء، تفاجأ بمشاهدة اللهب الخارج من المقلاة، ومع هول المنظر لم يعلم ماذا يفعل!! فخرج من المطبخ مسرعاً خائفاً.. وهو يصرخ لزملائه الذين يغطون بسبات عميق مستفيدين من وقت القيلولة، وأخذ يدور حول الغرف ويصرخ :(fire ... fire) نار .. نار!! خرج العمّال مذعورين من غرفهم لا يعلمون ماذا يفعلون ؟! سوى أنهم بدأوا يتراكضون بلا شعور من خلال ذلك المخرج الضيق إلى خارج المنزل، وخلال خروجهم حصلت بعض الإصابات لبعضهم نتيجة التدافع والخوف، وعندما سمع الجيران صراخهم، وشاهدوا النيران تخرج من سكنهم الشعبي، اتصل أحد الجيران بعمليات الدفاع المدني (998)، وعند حضور فرق الدفاع المدني تم إخلاء المنازل المجاورة من ساكنيها، وباشروا أعمال الإطفاء، عندها بدأ الضابط المسئول في الاستجواب السريع للمتواجدين، وأخذ معلومات أولية سريعة فاستفسر عن وجود أشخاص محتجزين داخل المنزل، وأخبره (أمين) أن جميع من في المنزل خرجوا، ولم يبقَ أحد منهم في الداخل، وعند سؤاله عن سبب الحريق قال:إن السبب هو اشتعال مقلاة الزيت، وبعدها سأله عن وضع اسطوانة الغاز هل هي في داخل المطبخ أم خارجه؟ فاخبره (أمين) أن الاسطوانة داخل المطبخ، وتوجد عدة اسطوانات غيرها، ولا يعلم هل الاسطوانات الأخرى فارغة أم ممتلئة!!؟ عندها على الفور توجه الضابط المسئول إلى فرق الإطفاء، وهي تؤدي عملها، وأمرهم بتوخي الحذر لوجود عدة اسطوانات غاز في الداخل، ولا أحد من العمالة يعلم هل هي فارغة أم ممتلئة ؟!، وذلك خوفاً من انفجار أحدها!! أكمل رجال الإطفاء عملهم الخطر بكل حذر، وقاموا بإخراج الاسطوانات من المطبخ الواحدة تلو الأخرى خوفاً من انفجار إحداها، وهم يشاهدون النار تخرج من فوهة الاسطوانة المغذية للموقد بشكل مرعب!! وتابع رجال الإطفاء عملهم حتى تم إخماد النيران، وإخراج 6 اسطوانات غاز من المطبخ بفضل من الله عز وجل، ولم يكن هناك أي اسطوانة غاز ممتلئة سوى الاسطوانة المغذية للموقد، فلو كان هناك أي اسطوانة أخرى ممتلئة ومغلقة، فلربما انفجرت من وقع شدة الحرارة، ولأحدثت أضراراً بشرية ومادية كبيرة، ولكنه لطف المولى عز وجل، وبعد نهاية الحادث تم إحضار مسئول الشركة والتحقيق معه عن مسببات الحادث، ثم تم إخباره انه لولا لطف المولى عز وجل ثم يقظة العامل (أمين) رغم خوفه وذعره، إلا انه استطاع أن يوقظ زملاءه ويخرجهم من خطر كاد أن يقتله ويقتلهم جميعا!! وتم توعية المسئول وتنبيهه لعدة أمور خاصة بسكن العمالة كان غافلاً عنها ومنها: *سكن العمّال لم يكن آمناً ومناسباً وكافياً لهذا العدد الكبير من العمّال. *عدم توفير وسائل السلامة الكافية والخاصة بسكن العمال من طفايات حريق وأجهزة إنذار ومخارج طوارئ. *عدم تدريب العمالة على كيفية مكافحة الحرائق، ومواجهة أي خطر قد يقع لهم مواجهة صحيحة. *عدم المتابعة المستمرة للسكن، والتأكد من سلامته وتوفر اشتراطات السلامة فيه. *وضع اسطوانات الغاز داخل المطبخ يعد بيئة خصبة للحريق والخطر، فالمفروض أن توضع اسطوانات الغاز خارج المطبخ ويمدد لها مواسير مطابقة للمواصفات والمقاييس، وتوصل بالموقد كما يلزم، ووضع جهاز لكشف تسرب الغاز فيها. فالعمالة تعتبر أمانة بحق المسؤول عنها، فالاهتمام بسلامتها وسلامة بيئة العمل أو السكن من الأمور المهمة جداً من جميع النواحي الإنسانية والاقتصادية، فإصابة أو موت أحد من العمّال بسبب الإهمال، فيه ذنب كبير على المسئول عنها، وقد يكلفه الكثير من توقف أو تعطل للعمل، وربما يكون سبباً رئيسياً في الخسارة. وللتواصل/ [email protected]