بالأمس كانوا صبية يجوبون الشوارع الفلسطينية في القطاع والضفة الغربية بحثاً عن آليات الاحتلال ليرشقوها بالحجارة وينالوا من غرور الجنود المحتلين وكبريائهم. لم يخافوا الموت بل بحثوا عنه في كل مكان فوهبت لهم الحياة. وبالأمس كتب التاريخ لهم أول انتفاضة في العصر الحديث وأصبحت أسلوباً من أساليب التحرر وأعطت للقضية الفلسطينية أكثر من عنوان حتى أصبح العالم بأسره مهتماً بها. الصبية علّموا آخرين والتحق العديد منهم بركب الشهداء. لم يتأخر منهم أحد خرج النساء والأطفال والرجال والشيبة يهتفون عاشت فلسطين عربية حرة, لم يهتفوا لحزب سياسي ولا لحركة, ولم يختاروا لوناً للراية غير العلم الفلسطيني, لم يرفعوا إلا راية الوطن. دخلت الانتفاضة الفلسطينية المجيدة مراحل عدة مرحلة تبنى على التي سابقتها وتتخلص من سلبياتها وتدخل مرحلة أكثر تعقيداً. لم تجد إسرائيل مخرجاً للتغلب على الانتفاضة حتى بالزج بالآلاف من الثوار والمنتفضين الفلسطينيين داخل المعتقلات والسجون، إلا أنها أعطت زخماً آخر واستطاع المنتفضون إيجاد حركة من التواصل الثوري في الشارع الفلسطيني والمعتقلات، خصوصاً بعدما أقدمت إسرائيل على اغتيال العديد من القادة الكبار ممن ابتكروا نظرية الاستمرار في الهجوم والمقاومة. تعلم العالم كيف يقذف الحجر في وجه المحتل وكيف يعيق الفلسطيني آليات العدو وكيف يشعل الإطارات لخلق غطاء وساتر ضد آلات التصوير الإسرائيلية التي قد تستخدم ضد المنتفضين عند الاعتقال. تضامن العالم مع الشعب الفلسطيني ودينت إسرائيل نتيجة لممارساتها اللانسانية في أكثر من محفل دولي وأقيمت المعارض والندوات الثقافية والسياسية الداعمة للنضال الفلسطيني حتى أوصلت الانتفاضة القضية إلى أولويات الاهتمام السياسي الدولي. اليوم أصبح هؤلاء الصبية رجالاً وخاضوا الانتفاضة الثانية وحملوا السلاح وقاوموا واستشهدوا وكان لهم الباع الطويلة في النيل من كبرياء المحتل واليوم أيضاً نبكي هذا المجد الذي صنعه الشرفاء من الشعب الفلسطيني عندما تدخل الحزب وسيطر على الفكر الثوري المنتفض بالكامل وسخر كافة الطاقات النضالية والوطنية لأهداف حزبية ذاتية قد تتعارض أحياناً المصلحة العليا للوطن، ولا اعرف لماذا تحول المنتفضون إلى منقسمين! كل منهم يحاول حشد جمهوره ليثب انه الأقوى والأكثر عدداً وعتاداً على الأرض الفلسطينيةالمحتلة. كل منهم يتهم الآخر بالتراجع عن مصلحة الوطن. وكل منهم يدعى انه الأحق بقيادة هذا الشعب. هل الانتفاضة علمتنا أن نشوه نضال الآخرين ونحد من مواصلة الآخرين مسيرة المقاومة؟ وهل الانتفاضة علمتنا أن نسخر كل ما نملك من أدوات للحزب ومؤسساته؟ وهل الانتفاضة علمتنا أن نساند لوناً واحداً ونتنكر لمن شاركنا المعاناة والمحن وقاوم معنا جنباً إلى جنب في كل المواقف والساحات. لا، لم تعلمنا الانتفاضة سوى الوحدة، ولكن للأسف هناك من لم يحفظ الدرس الوطني جيداً ولم يتعلم لغة الحب والتكامل الوطني والخوف على مقدرات الأمة وممتلكاتها وعند أول امتحان خاضه أحب أن يعتمد على الآخرين فرسب. الدكتور هاني العقاد - بريد الكتروني