ربما كان محيطي سيئاً بالاجمال لكني لم أسال أحداً في لندن عن قراراته للعام المقبل، ولم تكن المخدرات جزءاً أساسياً منها. وليس المقصود الهيرويين بل"مخدرات الاحتفالات"أو السهرات وهي رائجة جداً في المدن الكبرى والغنية حيث يبررها من يقبل عليها بالحاجة الى"ما يكسر نمط"حياتهم السريع والمتعب، لا سيما في عطلة آخر الأسبوع والمناسبات. استمرت حفلة رأس السنة حتى الصباح الباكر في جو من الصخب والجنون. ضحك رجل الأمن على مدخل ناد ليلي لدى تفتيشنا قائلاً:"نعرف أن في حوزتكم جميعاً أشياء غير مستحبة لكنها مناسبة خاصة إنه عيد رأس السنة!". ولم يكن يكذب اذ أخذ الجميع يشتري ويبيع ويسأل عن حبوب"إكستسي"علناً داخل النادي! في الحمام وقفت امرأة تنتحب وتندب حظها لأنها أوقعت غراماً من الكوكايين قيمته 55 باونداً أي ما يزيد على مئة دولار. لم أتمالك نفسي من الضحك اذ شعرت بأنني في مدينة مجنونة لا يعرف المنطق طريقه إليها. وقبل أيام من الحفلة أخذت الطلبيات تمتد بين الأصحاب ووزعت الأوراق لزيادة ما يحتاجه كل واحد من حبوب الاحتفال"لهذه الليلة فقط". ويتوهم من يتعاطى"مخدرات"الاحتفالات بأنها تمنحه الكثير من الطاقة. وعند الصباح يأتي الصداع والإرهاق ملحقاً ببعض الندم. ماندي شابة في الثلاثين بقيت في حاجة إلى النوم حتى اليوم الثاني من العام 2008. وأكدت أنها سوف تتوقف عن تعاطي"مخدرات الحفلات"كقرار أساسي للسنة الجديدة. وحين هنأتها على شجاعتها أجابتني بأن هذا هو قرارها الوحيد الذي تكرره على نفسها في مطلع كل سنة ولكنه يذهب مع الريح في الشهر الثاني من كل سنة. لا أحد هنا يعترف بأن لديه ادماناً على أي مادة. فكما الحال في المدن الكبرى تكثر في لندن عادات سيئة سهلة الالتقاط، على رغم كثرة الدراسات ومحاولات توعية الشباب. وفي حين تسمح بتدخين حشيشة الكيف مدن اوروبية مجاورة وينتشر تعاطي حبوب"إكستسي"في بعض الحفلات الموسيقية هناك الكثير من المشاريع التي يتبناها السياسيون البريطانيون في محاولة لحض الشباب على الامتناع عن تعاطي"مخدرات الحفلات". مدير في شركة يريد التخفيف من أكل الجبنة وتدخين الحشيشة، مشيراً الى ان هاتين المادتين تجعلانه كسولاً.وهو يعتبر ان قرارات السنة الجديدة تتعلق دائماً بعادات يريد الناس الإقلاع عنها وعلاقات فاشلة عليهم حلها ودين مستحق التسديد. وأنا لا أوافقه الرأي طبعاً فلطالما تضمنت قراراتي الشخصية مشاريع جديدة تتراكم كل سنة حين لا أجد الوقت الكافي لتحقيقها كالسفر الى بلاد جديدة وتعلم الإسبانية وكتابة عرض مسرحي واكمال سيناريو فيلم. لكن كل من سألتهم عن قراراتهم في لندن أرادوا الإقلاع عن عادات سيئة وفي صلبها تعاطي مخدرات الحفلات. قد يكون السبب أن السؤال طرح على شباب مباشرة بعد حفلة رأس السنة وهم ما زالوا في حال من الهذيان الفكري والجسدي فانصبت قراراتهم على التوقف عن تعاطي المخدرات والكحول والإفراط في السهر. وربما تكون أمنياتهم مختلفة لو اتخذوها في حالة ذهنية مختلفة كما فعلت جوانا. فجوانا فتاة برتغالية تتبع تقليداً في بلادها يتمثل في تحضير 12 أمنية أو قراراً للعام الجديد قبل نهاية السنة. وليلة العيد، تقرع أجراس الكنائس فيتناول الشخص حبة عنب ويقول أمنية حتى تنتهي الضربات ال 12 ومعها الأمنيات ويبدأ عام جديد. جوانا فعلت ذلك في الحفلة في لندن وسط استغراب الجميع وهي قالت ان جميع البرتغاليين الذين تعرفهم سيقومون بالمثل حيث ما كانوا في العالم. وهي لم تبح بأي من قراراتها لنا ظناً أن ذلك يجلب الحظ السيئ. أما أنا ولأني لست برتغالية فسأبوح بقراري الوحيد لهذه السنة: زيارة كوبا قبل وفاة فيديل كاسترو! اكتشفت أخيراً ان بإمكان اللبنانيين دخول كوبا من دون تأشيرة ولطالما أردت زيارة هافانا قبل أن تكتسح مطاعم الوجبات السريعة شوارعها.