مرة أخرى، يمكن العودة إلى الرسوم المتحركة وأفلامها وعلاقاتها المتشابكة مع الكومبيوتر. فقد شهد عام 1988 ظهور فيلم لافت لم يخل من الغرابة بالنسبة الى أعين المشاهدين حينها، ذلك ما كانه شريط"من كادَ للأرنب روجر"Who Framed Roger Rabbit، من صنع المخرج روبرت زيميكس الذي أخرج بعده بعقدين تقريباً فيلم"بيوولف"! وقد استخدم فيلم"من كادَ للأرنب روجر"شخصية من أفلام الكرتون وجعله يمثّل بين ممثلين بشر. وحينها، حدس كثيرون أنهم بصدد تحوّل نوعي في الفن السابع. وإذا نظرنا إلى فيلم"بيوولف"، الذي صنع بشخصيات رقمية"مؤنسنة"، فسيبدو وكأن الممثل الخيالي الذي وقف وحيداً ومختلفاً بين ممثلين فعليين وذلك يجسّد أيضاً معنى الفن بعمق ما لبث أن أزاحهم ليصبح هو وأشباهه بدائل منهم! ولم يكن ذلك"الانقلاب"ممكناً إلا بفضل الكومبيوتر. ويمكن الاستمرار في الاستعارة للقول إن الحاسوب أطاح ذلك البطل الذي قاد الإنقلاب أيضاً، كما هو مألوف في انقلابات البشر وثوراتهم. لقد ضحى الكومبيوتر بالخيالي ليُبرز فنه الخاص، أي الافتراضي. ولعل الإدعاء الأهم في فيلم"بيوولف"إنه افتراضي ليشابه ما هو إنساني. ولذا، يدفع هذا الفيلم للنظر إلى أفلام الإحياء بالكومبيوتر وهي فنياً اشتغال الحاسوب على أشرطة الرسوم المتحركة الخيالية وإعطاء شخصياتها أبعاداً ثلاثية مجسّمة، باعتبارها مرحلة انتقالية بين الأفلام التي يصنعها التمثيل الفني لأجساد البشر وبين أشرطة الفن الافتراضي المؤنسن للكومبيوتر، التي يُفترض أن"بيووولف"طليعتها. واستهلت تلك المرحلة الانتقالية بفيلم"توي ستوري"، كما سبق القول، وسرعان ما تلاه شريط"حياة حشرة"1998 فحقّق أيضاً نجاحاً قوياً، ما كرّس تلك الأفلام على الشاشات البيض. واستطاعت أشرطة الرسوم المتحركة التي تدخلت تقنيات الكومبيوتر في صنعها أن تدخل إلى صلب الفن السابع"ما أشرّت إليه رمزياً منافسة فيلم"حورية البحر"1989 لأفلام البشر"مع التشديد على أنه ليس فيلماً إحيائياً ثلاثي الأبعاد. ونجح"حورية البحر"في نيل جائزة أوسكار أفضل موسيقى وغناء، إضافة إلى نيله جوائز مسابقات"غرامي"و"غولدن غلوب"عن تلك الفئة أيضاً. وفي العام 2001، أطلق المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ وعداً مفاده أنه بصدد صنع فيلم لا يظهر فيه ممثلون بشر، بل تؤديه شخصيات رقمية مُجسّمَة من صنع إفتراضية الكومبيوتر. وفي العام التالي ظهر فيلم"شريك - الغول". ورأى كثيرون أنه قصّر عن تحقيق ما وعد به سبيلبرغ. ولم يمنع ذلك الفشل الفني نجاح الفيلم، ما شجع المخرج على معاودة الكرّة مرتين بعد ذلك، فظهر"شريك2"ثم"شريك 3"، من دون أن يتمكّن المخرج من القول إنه حقّق هدفه. وكرّست أفلام الإحياء المُجسّم مكانة شركات معلوماتية متخصصة في تقنياتها، مثل شركة"بيكسار"Pixar التي أطلقت تقنية الإحياء المُجسّم بالكومبيوتر عبر فيلم"توي ستوري". وصنعت تلك الشركة، التي تملك علاقات تكنولوجية وعلمية قوية مع شركات الكومبيوتر مثل"آبل"و"كومبيوتر أسوسيتس"و"سيسكو سيستمز"وغيرها، مجموعة من الأشرطة الإحيائية المُجسّمة التي نالت أوسكارات سينمائية مثل"توي ستوري"الذي نال أوسكاراً عن مؤثراته الخاصة، وكرر الفوز عينه فيلم"مونسترز"2001، ونجح شريطها"البحث عن نيمو"2003 في التأشير على اعتراف هوليوود بخصائص تلك الأفلام كفن خاص، عندما نال أوسكاراً مستحدثاً لتلك الفئة"وسجّل شريط"انكريدابلز"2004 أنه رُشّح لأربع جوائز أوسكار! وفي العام 2001، كرمت هيئة الأوسكار إيد كاتمول، مسؤول استوديو الإحياء في شركتي"بيكسار"و"ديزني"ولورين كاربنتر، كبيرة علماء المعلوماتية في ذلك الاستوديو، وروب كوك، مهندس برامج المعلوماتية فيه، ومنحتهم أوسكارات عما يصنوعه من تقنيات سينمائية. وفي عام 2006، تكرس الزواج بين أفلام الكرتون وأشرطة الإحياء المُجسّم بالكومبيوتر، عندما اشترت"ديزني"شركة"بيكسار"ودمجتها في استوديواتها.