زادت الدول العربية وارداتها من القمح الأميركي المرتفع الثمن في السنة التسويقية الحالية، التي بدأت في تموز يوليو الماضي، أربعة أضعاف عن مستوياتها العادية، مدفوعة بمجموعة من العوامل التي أدت إلى قفزات سريعة ومستمرة تسجلها أسعار الحبوب، منذ ما يزيد على العامين، خصوصاً الجفاف والمضاربات وما ترتب عليها من انخفاض في مبيعات عدد من المصدرين الرئيسين. وتوقعت وزارة الزراعة الأميركية زيادة جديدة وكبيرة في الأسعار هذه السنة رغم ظهور مؤشرات مبكرة تفيد عكس ذلك. وأفادت وكالة خدمة الصادرات الزراعية الأميركية أن صفقات القمح المتعاقد عليها للتصدير إلى الأسواق العربية حتى منتصف هذا الشهر، بلغت نحو ثمانية ملايين طن. وتعادل هذه الكميات القياسية في تاريخ الواردات العربية من القمح الأميركي ولم تتجاوز، على سبيل المثال، 1.9 مليون طن العام الماضي، نحو 25 في المئة من الحجم الإجمالي المتوقع لصادرات القمح الأميركية خلال هذه السنة التسويقية. وأكدت وزارة الزراعة الأميركية أن الأسواق العربية"تضطلع بالدور الأهم في قوة الصادرات الزراعية الأميركية"، على رغم اعترافها بأن المستويات الراهنة من الواردات العربية، التي عزتها إلى انخفاض حاد في مبيعات المصدرين الكبار في استراليا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل. وتوقعت منها أن تساهم على المدى القصير، في ارتفاع أسعار صادرات الحبوب الأميركية من القمح والذرة والصويا بنسب تتراوح بين 17 و40 في المئة خلال هذه السنة التسويقية. ووفق أحدث تقارير السوق الصادرة عن وزارة الزراعة الجمعة الماضي، جنى المزارع الأميركي ثمار الكوارث الطبيعية التي خفضت حجم صادرات القمح الإجمالية الى استراليا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا أكثر من النصف زهاء 20 مليون طن في السنة التسويقية الماضية وبداية هذه السنة، وهيأت له بالتالي الظروف المناسبة لزيادة صادراته إلى ما يتوقع أن يصل إلى 32.5 مليون طن هذه السنة، مقارنة ب25 مليوناً العام الماضي. وتعتبر قوة الصادرات سلاحاً ذا حدين، ولو كان من المبكر معرفة ما إذا كانت ستؤدي إلى المطالبة برفع الدعم الحكومي الذي يحصل عليه المزارع الأميركي لمواجهة المنافسة الخارجية، أو حتى مجرد خفضه. وينفرد المزارع الأميركي بأكبر حصة من الدعم الزراعي العالمي 130 دولاراً للطن، يليه المزارع الأوروبي مباشرة ثم الكندي. ويساهم الدعم الزراعي في خفض أسعار الغذاء في الدول الفقيرة والنامية. وشكل القمح الأميركي الشتوي الأحمر القاسي المرتفع الثمن والمتعدد الاستخدام، أكبر بند في لائحة الواردات العربية، مرتفعاً من أقل من مليون طن في السنة التسويقية الماضية، إلى أكثر من 4 ملايين طن هذه السنة. وتضاعفت واردات القمح الربيعي اللين المستخدم في تحضير الخبز والحلويات، لتصل إلى نحو مليوني طن. كما ارتفعت مشتريات القمح الربيعي القاسي أكثر من ثلاثة أضعاف ما ساهم في بلوغ فاتورة الواردات 2.8 بليون دولار قبل تكلفة الشحن التي تضاعفت في الشهور العشرة الأخيرة، بحسب مجلس القمح العالمي. ومن سوء الطالع بالنسبة الى الدول العربية التي تستورد أربعة أضعاف ما تصدره من المنتجات الزراعية، أن طفرة الواردات ترافقت مع تسجيل أسعار القمح الأميركي قفزات مؤلمة، إذ تجاوز متوسط سعر الطن الواحد من القمح الأحمر الشتوي القاسي تسليم مرافئ الشحن في خليج المكسيك في كانون الأول ديسمبر الماضي 368 دولاراً، مقارنة بمتوسط لا يزيد كثيراً على 150 دولاراً في 2005، ونحو 190 دولاراً في العام التالي. وراوح الفارق في السعر بين القمح الشتوي والربيعي بين 15 و30 دولاراً للطن. وربطت وزارة الزراعة الأميركية توقعاتها في شأن الارتفاع الجديد المرجّح في أسعار صادرات الحبوب الأميركية، بقرار روسيا حماية أسعار الغذاء في أسواقها المحلية من طريق زيادة معدل الضريبة على صادرات القمح 40 في المئة، اعتباراً من نهاية هذا الشهر. ورأت أن هذه الزيادة الضخمة ستغلق أبواب التصدير الروسية كلياً، لتحرم الأسواق العربية من مصدر مهم للواردات الرخيصة نسبياً. ولم تدع بورصة السلع في شيكاغو مجالاً للشك في اتجاهات أسعار الذرة، الثانية على فاتورة الواردات العربية من الحبوب الأميركية بعد القمح، إذ لا تزال أسعار الحبوب الخشنة في السباق المحموم الذي بدأته الشهر الماضي، وتمثلت نتائجه حتى الآن بارتفاع أسعار صفقات الذرة تسليم الأسبوع الأول من آذار/ مارس بنحو 24 في المئة. وعزت البورصة أحد أهم أسباب هذا السباق، الذي يأتي بعد تضاعف أسعار الذرة في الأعوام الثلاثة الماضية، إلى حاجة الصناديق الاستثمارية الى تنويع أدواتها الاستثمارية كنتيجة للأزمة المستمرة في أسواق الائتمان. لكن أسعار القمح اندفعت في الأسابيع الماضية في مسار مناقض، ظهرت أبرز مؤشراته في السوق المحلية الأميركية بانخفاض أسعار القمح الأحمر الشتوي القاسي والربيعي اللين 20 و17 دولاراً للطن على التوالي، وارتفاع أسعار القمح الأحمر الربيعي القاسي 8 دولارات للطن. وعكس الانخفاض المسار الهابط لأسعار الصفقات الآجلة في بورصة السلع، وكذلك توقعات منظمة الزراعة العالمية بأن تحفز الأسعار المرتفعة الإنتاج في الدول النامية مساهمة في تخفيف حدتها.