"اغلق هاتفك النقال واخرج البطارية، ابرز أوراقك الرسمية واستعد للتفتيش": عبارة أضحت مألوفة لمن يقصد"المنطقة الخضراء"من بغداد، فهي مدونة على المداخل الرئيسة الاربعة، لتلك المنطقة التي تحولت الى محمية رسمية تقطن فيها غالبية السفارات الاجنبية والمقار الرئيسة للحكومة العراقية. فالمنطقة الخضراء، أو green zone كما يسميها البعض، تحولت الى عاصمة للسياسة والسياسيين الذين يقطنون فيها ولا يغادرونها إلاّ بصحبة الارتال العسكرية وحماية الشركات الأمنية الخاصة. فهي، في واقعها هذا، عالم خاص بأربعة مداخل، يفاجأ الداخلون إليها بمناظر غير مألوفة لمن هم خارجها. نقاط التفتيش تنتشر على مسافات قريبة من بعضها البعض في شكل يكشف عن مدى الاحتياطات الأمنية المشددة التي تحيط بالمكان لا سيما وان غالبية هذه النقاط تستخدم مجموعة من الأجهزة المتطورة الخاصة بتفتيش السيارات والافراد، فيما تخضع النساء لتفتيش دقيق من قبل مجموعة متخصصة من النساء يعملن في السلك الأمني داخل المنطقة، أما مظاهر الحياة فيها فتتدرج بين المعقول والغريب. فالنساء يرتدين سراويل قصيرة وملابس تكشف عن بعض اجسادهن، وهو أمر غير مألوف خارج هذه"المنطقة". وتنتشر المطاعم والاسواق قرب نقاط التفتيش، كما تنتشر قرب مواقف السيارات القريبة من المواقع العسكرية. ويخضع الداخلون الى المنطقة الى عملية تفتيش دقيقة تبدأ بانتزاع بطارية الهاتف النقال الى تفتيش الأغراض الشخصية وتنتهي باستخدام الكلاب البوليسية التي تقوم بتفتيش المقتنيات من طريق الشم قبل إعادتها الى أصحابها. أما المداخل الأربعة للمنطقة الخضراء فثلاثة منها رئيسة هي: مدخل فندق الرشيد، ويضم مدخلين فرعيين هما مدخل قصر المؤتمرات ومجلس النواب ومدخل مجلس الوزراء، اما المدخل الثاني فهو مدخل وزارة الدفاع الذي يقع عند بداية جسر الجمهورية في جانب الكرخ ويقع المدخل الثالث عند بداية الجسر المعلق في منطقة الزوية في الكرادة الشرقية، على الجانب الشرقي من نهر دجلة. وهو المدخل الوحيد الذي يقع في جانب الرصافة من بغداد، وهناك مدخل فرعي للمنطقة وهو مدخل الحارثية في جانب الكرخ من بغداد. وتنتشر عند بداية المداخل الاربعة نقاط تفتيش من الجيش العراقي وقوات أمنية أجنبية وأفراد من القوات المتعددة الجنسيات من دول شرق آسيا، وهي القوات البديلة للقوات الاميركية التي سلمت مداخل المنطقة الى الحكومة العراقية واستبدلت قواتها بالقوات المتعددة الجنسيات هناك. تمتد المنطقة الخضراء على مساحة عشرة كيلومترات تقريباً وتضم مجموعة من الأحياء والشوارع الرئيسية وسط بغداد، مثل: حي القادسية، وشارع الكندي، وحي التشريع، وأم العطام. كما تضم داخلها فندق الرشيد، والقصر الجمهوري السابق، وبناية المجلس الوطني إبان حكم صدام حسين، ومجموعة من القصور الرئاسية فضلاً عن اقتطاعها جزءاً كبيراً من متنزه الزوراء الشهير وسط جانب الكرخ من بغداد. ويشكل نهر دجلة الحدود الطبيعية للجانب الشرقي من المنطقة وتقع على امتداده السفارة الاميركية المشيدة حديثاً بعد الاحتلال والتي تبلغ مساحتها 420 الف متر مربع، أي ما يعادل 16 في المئة من مساحة المنطقة الخضراء برمتها، ويضم المجمع الكبير للسفارة الذي من المفترض ان ينتهي تشييده مطلع العام المقبل 27 بناية احداها مخصصة مقراً للسفير الاميركي. وتؤكد التقارير الاميركية أن عدد موظفي السفارة الجديدة، وهي اكبر سفارة لاميركا في العالم يصل الى 5500 موظف بينهم فريق عمل خاص من مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي. وعلى رغم ان غالبية العاملين مع الحكومة والبرلمان والقوات الأميركية يقطنون داخل المنطقة الخضراء إلاّ أن سكان المنطقة الاصليين الذين يعملون خارجها يعانون الكثير في طريق العودة الى مساكنهم بسبب صعوبة اجراءات التفتيش ووقوفهم في طابور السيارات لاكثر من ساعة قبل السماح لهم بالدخول. وينتقل هؤلاء السكان عن طريق بطاقات خاصة تثبت أنهم من ساكني المنطقة الخضراء، اما العاملون في الوزارات والسفارات الموجودة داخل المنطقة فانهم يتنقلون عبر بطاقات خاصة، وتختلف درجة مرونة تلك البطاقات وفقاً لطبيعة حاملها من حيث عمله. فهناك بطاقات تسمح للموظفين بالتنقل في مواقع معينة، وبطاقات أخرى تسمح لهم بالدخول والخروج من بوابة محددة وبطاقات اخرى تسمح لحامليها بالدخول والخروج من جميع البوابات وادخال الزوار معهم، وبأعداد محددة، الى المنطقة. خروقات امنية لكن وعلى رغم الاجراءات الامنية المشددة التي تخضع لها المنطقة الخضراء وانتشار ابراج المراقبة على طول حدودها، واحاطتها بالأسوار الاسمنتية العالية، فان هذه الاحتياطات لم تمنع وقوع خروقات أمنية وادخال سيارات مفخخة، فضلاً عن وقوع عدد من التفجيرات الانتحارية داخلها استهدفت أرتالاً عسكرية اميركية ومسؤولين عراقيين اشهرها الانفجار الذي استهدف رتلاً اميركياً قرب أحد المطاعم، وآخرها التفجير الانتحاري داخل مجلس النواب والذي اودى بحياة احد النواب من"جبهة التوافق"وجرح نواب اخرين. ويقول جناح حمود، الناطق باسم المركز الاعلامي المشترك للقوات المتعددة الجنسيات، ان تفجيرات مجلس النواب ولّت الى غير رجعة وان الاحتياطات الأمنية المشددة حالياً ستؤدي الى مزيد من الأمان. اما عبد الكريم خلف، مدير مركز القيادة الوطنية في وزارة الداخلية، فيقول إن الخروقات التي وقعت في المنطقة اكدت وجود تواطؤ واضح من قبل الأجهزة الأمنية التي تعمل هناك، ولم يستبعد أن تكون السيارات التي انفجرت داخلها قد تم اعدادها مسبقاً في منازل داخل المنطقة الخضراء ذاتها وليس خارجها. وعلى رغم عدم وجود إحصائية دقيقة عن الصواريخ وقذائف الهاون التي سقطت على المنطقة الخضراء إلاّ أن جهات أمنية متخصصة اكدت سقوط اكثر من 120 قذيفة هاون على المنطقة خلال عام 2007 وحده. ويبدو أن الهجوم بقذائف الهاون ظل متواتراً منذ بداية عام 2004 بسبب وجود تحصينات أمنية كبيرة تعيق حركة السيارات المفخخة أو المسلحين المناوئين للاحتلال. ويرى غالبية المحللين الأمنيين ان محاذاة المنطقة الخضراء لنهر دجلة يسهل عملية استهدافها بقذائف الهاون. المنطقة الخضراء في عهد صدام حسين المنطقة الخضراء كانت تضم القصر الجمهوري ومجموعة من القصور الرئاسية والمنازل الخاصة بالمسؤولين العراقيين والمقر الرئيسي للقيادة القطرية لحزب البعث وقبر مؤسسه ميشيل عفلق، ومجموعة من النصب اهمها: نصب الجندي المجهول، ونصب ساحة الاحتفالات الكبرى. إلاّ أن المساحة التي جرى ضمها الى المنطقة الخضراء تصل الى اكثر من نصف المساحة التي كان يسيطر عليها النظام السابق، بقصوره ومؤسساته ودور المسؤولين فيه. وكانت غالبية المناطق مفتوحة امام العامة ابتداءً من الجسر المعلق والطريق السريع لحي القادسية وانتهاء بمنطقة كرادة مريم وفندق الرشيد، ولم يكن محظوراً على عامة المواطنين سوى المداخل الرئيسية للقصر الجمهوري وقصر المؤتمرات وبعض المواقع المهمة، مثل مبنى القيادة القومية لحزب البعث، ومقر القيادة العامة للجيش الشعبي. ولكن بعد دخول القوات الاميركية الى العراق في نيسان أبريل 2003 ضُمَت جميع المناطق المفتوحة على المنطقة الخضراء إليها لتتسع حدود المنطقة في شكل كبير حتى وصلت الى متنزه الزوراء وكرادة مريم. وتحولت القصور الرئاسية الى مواقع حكومية فيما اتخذت السفارة الأميركية من القصر الجمهوري مقراً موقتاً لها الى حين اكتمال بناء مقرها الجديد، وتحول المجلس الوطني السابق الى مقر لوزارة الدفاع العراقية، واختفت البحيرات الكبيرة والمسابح داخل القصور وتحول بعضها الى مياه آسنة لأن أحداً لا يقصدها خوفاً من قذائف الهاون.