لم يكن فاروق الأول ملك "مصر والسودان"، يعلم أن هذه البقعة الهادئة الواقعة في منطقة الجزيرة، ستشهد أحداثاً درامية لن يشاهد معظمها. كان ذلك مساء يوم من أيام العام 1949 وكانت الموازنة مفتوحة والطلبات مجابة، إذ بعد انتهاء الأعمال في المبنى وتسليمه إلى دائرة الأشغال الملكية، بلغ مجموع ما تم صرفه 118 ألف جنيه، وهو رقم هائل قياساً بذاك الزمن وبالقوة الشرائية للجنيه المصري الذي كان نداً للإسترليني وأحياناً كانت قيمته أعلى منه. التسمية العامة للمبنى كانت اعتباره مقراً لليخوت الملكية، أما التسمية الخاصة فتقول إنه كان مقراً خاصاً لسهرات الملك بعيداً من فضول الناس والصحافة. لكن أياً من المهمتين لم يقدر لهما التنفس على أرض الواقع، إذ بعد شهور من تسلم المبنى والبدء في تأثيثه، قامت ثورة 23 تموز يوليو لتطيح بالملك الشاب ونظام حكمه وتضع يدها على المبنى المنعزل المطل على النيل، والذي يحتوي على 40 غرفة تمتد على مساحة تصل إلى 3200 متر مربع، وتحيط به حدائق غناء، ليكون مقراً لمجلس قيادة الثورة. ومنذ ذلك الحين عاصر المبنى الكثير من الحوادث التي أسست للثورة نظامها الجمهوري، كما أفرزت قائدها الأشهر جمال عبدالناصر بعد أن كان اللواء محمد نجيب هو بطل المشهد الأول. شهد المبنى صراعات عدّة بين أعضاء مجلس الثورة من جهة، وبين نجيب من جهة أخرى وانتهت بانتصار الشباب على الشيخ الكبير وتحديد إقامته في فيلا في ضاحية المرج في ما عرف بأزمة آذار مارس 1954. قبل ذلك وبعده شهد المبنى صدور قانون الإصلاح الزراعي ومحاكمة الثورة لرموز النظام السابق وإلغاء الأحزاب واتفاق السودان واتفاقية الجلاء مع البريطانيين، وبعد التأميم ووقوع العدوان الثلاثي على مصر انتقل عبدالناصر وأسرته اليه سكناً وعملاً، وظل فيه طيلة أيام العدوان إذ قاد منه المعركة عسكرياً وسياسياً. وانحسرت الأضواء عن المجلس بعد انتقال السلطات إلى مقر مجلس الوزراء في شارع قصر العيني، إلى أن عادت إليه مع محاكمات أيار مايو 1971 الشهيرة والتي اقتلع بواسطتها أنور السادات رجال عبدالناصر من مواقعهم. ومثلما عاش عبدالناصر في هذا المبنى وعمل، وتصارع وانتصر، كانت انطلاقة جنازته المهيبة من هذا المبنى، إذ منه خرج جثمانه ملفوفاً بعلم مصر على عربة مدفع إلى مثواه الأخير. أصبح المكان بعد ذلك مقراً لوحدات عسكرية مختلفة، قبل أن يصدر الرئيس حسني مبارك قراراً رقمه 204 لعام 1996 بنقل المقر إلى وزارة الثقافة لتحويله متحفاً لزعماء"ثورة يوليو"، وأصدر وزير الثقافة فاروق حسني قراراً في العام نفسه بضم المبنى إلى المركز القومي للفنون التشكيلية. وعلى رغم مرور إحدى عشرة سنة على تلك القرارات، إلا أن وتيرة العمل فيه شبه متوقفة وتراوح مكانها تحت مسميات شتى، أغربها عدم وجود التمويل الكافي.