لا يذكر أحد، على الأرجح، الطرفة السوفياتية القديمة التي حكت قصة أمين سر خلية حزبية سأل أحد أعضاء الخلية عن سبب تخلفه عن حضور الاجتماع الأخير. فجاءه الجواب خاطفاً:"لو علمت أنه الاجتماع الأخير لحضرت". وتوارت الطرفة مع الاتحاد السوفياتي الراحل. ولكنها قد تتجدد وتنبعث في ضوء حال بلجيكا. فلماذا لا ينشد الانتباه الى الأزمة الوزارية التي حملت الملك، الى الآن، على الاحجام عن تثبيت حكومة اليمين الوسط؟ والجواب هو أننا لا نعلم بعد اذا كانت هذه الأزمة الأخيرة من صنفها. وفي غضون الطلاق البلجيكي المزمن هذا، لا شك في أن مرحلة تبادل المثالب ومحاولات الصلح طويت، ويتعاقب على الكلام محامو الخصمين المتقاضيين. والانذار الأخير الذي تجمع الأحزاب الفلامندية على توجيهه الى جنوببلجيكا الفرنسي وليس الفرنكوفوني، أو الناطق باللغة الفرنسية، وحسب، لا يشبه انذار قرين مرهق نفد صبره، بل هو أشبه بورقة جلب خصم من طريق الضابطة العدلية. فمنطقة الفلاندر الهولندية اللغة الشمالية تريد قطع الأواصر الأخيرة التي قامت عليها الدولة البلجيكية. فيقتضي قطع آصرة الضمان الاجتماعي أن يسدد فرنسيو بلجيكا الى الشمال الناسك فائض نفقاتهم الصحية. وتقتضي قطع آصرة السياسة الخارجية، بت قانون الجنسية، وآصرة السياسة الاقتصادية تدعو الكيانين الى أن يتدبرا أمرهما من غير توزيع أو تعويض. وأجابت الاحزاب الفرنسية الانذار هذا بالاجماع على رأي واحد، وعندما يعمد كيانان، يفترض فيهما الانضواء تحت جناح دولة واحدة، الى اصطفاف أحزابهما، من غير استثناء، بحسب هوية قومية، فمعنى هذا أن يوغوسلافيا، والمتفائلون يقولون تشيكوسلوفاكيا، ليست بعيدة. ولكن بلجيكا لا تقع على أطراف أوروبا الغربية بعض الغرابة، بل هي في قلب أوروبا حيث ترعى أوروبا نطفة دولة قارية، ببروكسيل. والحال هذه، في المستطاع المراوغة ما وسعت المراوغة أطراف الأزمة الى حين انجلاء الكابوس، على ما تفعل الحكومات المجاورة وغير المصدقة. ويتوقع أن تتصدى اسبانيا، وهي ضحية بروز الهوية الكاتالونية بروزاً متعاظماً، ومعها بريطانيا العظمى التي تتخوف استقلال اسكوتلندا من غير جرأة على الاقرار بالأمر، يتوقع أن يتصدى البلدان الى حفظ واجهة دولة بلجيكية على أي وجه من الوجوه ومن أي طريق. وقد لا يكون هذا حلاً سيئاً. وينبغي، ابتداءً، الاقلاع عن أبلسة الوطنية الفلامندية، والظن أن جاك بريل أوجز أمر هذه الوطنية حين غنى قبل نيف وعشرين عاماً: انها"نازية في أثناء الحروب وكاثوليكية بين الحرب والحرب". وهذا يطعن طعناً ظالماً في التحرر الثقافي الفلامندي العظيم في أثناء الأربعين سنة الأخيرة، ويبخس حق فنانين مثاليين في اللغة الفلامندية مثل الروائي هوغو كلاوس، والأخوين ديلفو، الرسام والسينمائي، وفي حقل الأوبرا جيرار مورتييه. والحق أن المجتمع الفلامندي، وهو صنو بافاريا ساحلية صغيرة، نهب لدينامية اقتصادية واجتماعية متوثبة، وهو أنجز نقلته اللغوية، ويبلغ عدد سكانه عدد سكان الدانمارك أو النروج. وتحفظ الفلاندر من جارها الهولندي يجعلها، اذا استقلت بدولة، أكثر دول شمال أوروبا الجرمانية هوى فرنسياً وميلاً الى فرنسا. والركن الديبلوماسي الفرنسي الثابت الذي قضى بالسعي، في الأحوال كلها، في سبيل ابقاء الفلاندر في اطار الدولة البلجيكية، ينبغي النظر فيه نظراً جديداً ومختلفاً، ويدعو الى هذا تولي المسيحيين الاجتماعيين وحلفائهم الليبراليين والاشتراكيين أمر المطالبة الوطنية، وتعهدهم اياها مشتركين. فنجم عن اشتراكهم صد اليمين المتطرف المحلي على نحو ما صده ساركوزي بفرنسا. ولكن الوالون وأهل بروكسيل لا يرغبون في ولادة دويلة نظير دولة الفلامنديين. فمدينة لبيج تحتفل بالعيد الوطني الفرنسي في 14 تموز/يوليو. وعاد الى باريس تتويج الشاعر هنري ميشو والروائية والكاتبة مرغريت يورسنار، والروائي البوليسي الاشهر سيمينون، وحائز جائزة نوبل موريس ماتيرلينك، وهو ذهب الى أن لغته الأم الفلامندية غير جديدة بالأدب. وعلى مثال هيلموت كول في 1990، قد يضطر نيكولا ساركوزي الى حكم فرنسا أوسع من فرنسا اليوم، وأكثر فقراً جراء الأزمة الصناعية المزمنة التي تصيب البلاد المضمومة الجديدة. فمن قال أن التاريج لا يبيّت أحياناً مفاجآت ضخمة من حيث لا ندري ولا نتوقع؟ عن ألكسندر أدلير، "لوفيغارو" الفرنسية، 25/8/2007