عقد برنامج الاممالمتحدة للبيئة في مدينة مونتريال مؤتمراً دولياً، افتتحت جلساته في 17 ايلول سبتمبر وتُختتم اليوم، يشارك فيه ممثلون عن 191 دولة. تزامن المؤتمر مع ذكرى مرور عقدين على توقيع"بروتوكول مونتريال"الذي وضع أُسس التعاون الدولي في شأن حماية طبقة الاوزون، في إطار معالجة مشاكل المناخ بصورة عامة. وسادت جلسات المؤتمر أجواء من التفاؤل القوي لجهة نجاح الضغوط الدولية في تسريع الخطوات الآيلة للحد من استخدام المركبات المتطايرة"كلوروفلوركاربون"Chlor Flor Carbon، التي تشتهر باسمها المختصر"سي اف سي"CFC"إضافة إلى غازات الهيدروكلوركاربون وفلوروكاربون. ويمثل الأخير مستحضراً بديلاً من"سي أف سي"، لكن كثرة من الخبراء تعتبره مساوياً لها في مساوئه وأضراره لجهة قدرته على تدمير طبقة الاوزون التي تلعب دوراً حيوياً في حماية الأرض من الآثار المضرة للأشعة الشمسية. فمن المعلوم أن جزيء غاز الأوكسجين، الذي يتألف من ذرتين متلاصقتين، يتحوّل الى جُزيء كيماوي يحتوي 3 ذرات من الأوكسجين فيُسمى الأوزون. وتتجمع جزيئات الأوزون في طبقة خاصة في أعالي الغلاف الجوي. وعندما يعبرها ضوء الشمس، تعمل تلك الطبقة وكأنها درع واق، فتعكس الكثير من كميات الأشعة الشمسية، وضمنها الأشعة فوق الحمراء. ومع الثورة الصناعية، انتشرت أجهزة التبريد التي تستخدم مركبات من نوع"سي اف سي"، ثم لحقت بها مجموعة من مواد التجميل مثل سبراي الشعر ومزيل العرق وبعض أنواع العطور وغيرها. وتتطاير جزيئات تلك المركبات في الجو، وتتفاعل مع الأوكسجين عند وصولها الى الطبقات العليا، فتمنعه من تكوين جزيئات الأوزون. وأدى ذلك الأمر تدريجاً، الى تآكل طبقة الأوزون، التي تحمي الأرض وبشرها من الأشعة المُضرة. ويربط كثيرون من المُحللين بين تآكل الأوزون وانتشار أنواع من سرطانات الجلد، وكذلك مع ظاهرة الارتفاع المستمر في حرارة الأرض. نجاح بيئي مُبشّر لم يكن من السهل مقاومة التآكل المتصاعد في طبقة الأوزون، والتي جرى البرهان عليها في صور الأقمار الاصطناعية. واقتضت مكافحة تلك الظاهرة إقناع الدول الصناعية بتغيير جزء كبير من صناعاتها، بحيث يستغني عن استعمال مركبات"سي اف سي". واعتبرت الأممالمتحدة هذا المؤتمر بمثابة احتفالية عالمية تكلل الجهود التي بُذلت للحد من التغيرات المناخية، وخصوصاً خفض الغازات المُضرة بطبقة الأوزون على سطح الكوكب بنسبة 3,5 في المئة، وبالتالي بدء انحسارها نسبياً وتجنب تداعياتها المأسوية على صحة ملايين البشر جراء الاتساع المتزايد لثقب الأوزون. ورأى ممثل"المنظمة العالمية للأرصاد الجوية"مايكل جارود ان التغيرات العالمية في المناخ راهناً تختلف عما كانت عليه في أوقات سابقة. وأشار الى ان السنوات العشرين المقبلة ستشهد تزايداً في عمليات مراقبة الاوزون والمواد التي تُسبّب تحلّله، من اجل التحقق من فعالية التعديلات والتغيرات التي طرأت بعد مؤتمري فيينا 1985 ومونتريال 1987. وتوقف المؤتمرون عند قضايا محورية عدة، منها اعتقاد البعض بأن الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري تبرد الجو في الطبقات العليا الامر الذي يسرع في استنفاد الاوزون، وان التغير المناخي يمكن ان يعطل المكاسب التي تحققت من خلال التحكم في انبعاث مُركّبات"الكلوروفلوروكاربون"في الثلاجات وأجهزة التبريد الاخرى. وركز بعضهم على الوضع الشديد الخطورة في منطقة القطب الجنوبي، حيث تآكلت طبقة الاوزون. ويقدر خبراء"منظمة الارصاد الجوية"التابعة للأمم المتحدة ان الثقب فوق القارة المتجمدة الجنوبية سيصل عام 2060 الى حجم قياسي يبلغ 29.5 كيلومتر مربع. ويبدو ان التفاؤل بمداولات المؤتمر نشر انطباعاً إيجابياً لدى العديد من خبراء البيئة والمناخ والأرصاد الجوية. فقد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بانعقاد المؤتمر، واعتبره"إحدى قصص نجاح التعاون الدولي". وفي سياق مُشابه، اعتبر الخبير الالماني المتخصص بشؤون الأوزون ماركوس ريكس ان مؤتمر مونتريال"سينجلي عن بروتوكول آخر يعكس أهمية التعاون العالمي في مجال السياسات المناخية". وأضاف:"نستطيع ان نبشر أحفادنا بأنهم سيشهدون بالتأكيد تعافي طبقة الأوزون... اذا ما التزمت جميع الدول تعهداتها. وأعرب الخبير الدولي النرويجي جير بريثهين عن اعتقاده بأن"على العالم ان ينتظر حتى العام 2025 قبل الحديث عن تعافي طبقة الأوزون"، بينما أكد نيل هاريز مدير"المركز الأوروبي لبحوث طبقة الأوزون"في جامعة كامبريدج البريطانية"ان الثقب الموجود في طبقة الأوزون حالياً سيلتئم بحلول العام 2060". تسديد الفاتورة ومن المسائل الشائكة التي واجهت مؤتمر"مونتريال"قضية تمويل الدول النامية المنتجة للمواد المُدمرة لطبقة الأوزون. ومنذ فترة غير قصيرة، يدور صراع مرير بين الدول المتقدمة والنامية عن مسألة الأوزون ومواد الصناعة المُسبّبة لتآكله. ويتركز النقاش على أن الانتقال من استعمال المواد التقليدية في أجهزة التبريد الى استخدام المواد المأمونة، هو أمر مُكلف تماماً، ما قد تنوء بأعبائه صناعات الدول النامية. وتطالب تلك الدول بالحصول على دعم من الدول الصناعية المتقدمة من أجل إنجاز ذلك الانتقال. وفي المقابل، لا تبدو الدول الصناعية في الغرب ميّالة لتقديم هذا النوع من الدعم. فمثلاً، تعتبر الصين مسؤولة عن انتاج اكثر من 35 في المئة على الاقل من مادتي غاز الكلوروفلوروكاربون وغاز الهيدروكلور المسببتين لاتساع فجوة الاوزون. وتطالب الصين بدعم قوي يكفل انتقال صناعاتها الى مرحلة التأقلم مع البيئة. وفي هذا السياق، أكّدت المندوبة الكندية كلوديا موراي نائبة وزير الشؤون البيئية والعلمية الدولية"اننا سعداء بحضور الصين بيننا... هذا امر مشجع جداً... ونحن جاهزون للمساهمة اكثر مما ينبغي ولكن ليس من المعقول ان ندفع الأموال ونوقع شيكاً على بياض"، في إشارة الى طلب الصين مساعدات دولية سنوية تقدر بحوالى 150 مليون دولار تدفعها المجموعة الدولية على مدى عشر سنوات، لان الصين عليها ان تغير من أنظمة التبريد المعمول بها حالياً، إضافة الى العمل أيضاً على تخفيض انبعاث الغازات السامة من الأرض ومن فضلات البشر. وقد لا تحقق تلك الأمور، حتى مع دعم مناسب، الا بحلول العام 2040. ويعتبر بعض المراقبين ان تقاسم الفاتورة بين الدول الصناعية الكبرى ليس مسألة خلافية اذا ما التزم العملاق الآسيوي بمقررات المؤتمر. وفي سياق متصل، عكس الإعلام الكندي موجة التفاؤل السائدة في أوساط المندوبين، وأظهرت أحاديث وتصريحات لعديد من المؤتمرين مواقف تعبر عن أهمية هذا الاستحقاق العالمي. وأكّد المدير التنفيذي لپ"برنامج الأممالمتحدة للبيئة"اشيم ستاينر ان"اسم مونتريال سيرتفع عالياً في العالم اجمع لنجاحه في معالجة المسألة البيئية ومتفرعاتها... إن هذا يمثل إنجازاً تاريخياً غير مسبوق". وكذلك صرح بأن خبراء الأممالمتحدة يقدّرون ان اكثر من 20 مليون حالة مرضية من سرطان الجلد يمكن تجنبها عالمياً من اليوم وحتى العام 2060 بفضل هذه المعاهدة". وكذلك امتدح وزير البيئة الكندي جون بيرد المؤتمر واثنى على مداولاته. وأشار الى انه"اهم اتفاق عالمي مثمر حتى الآن... ان نجاح هذه المعاهدة يثبت مصداقية العاملين على المحافظة على طبقة الأوزون، الذين يتمتعون بارادات قوية لحسم مسائل البيئة والمناخ لما فيها مصالح الدول والسلامة الصحية للشعوب".