تحل اليوم الذكرى السابعة لارهاب 11/9/2001، وسؤال لا يفارق ساعات يقظتي هو كيف يمكن لدولة رائدة في مجالات الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان أن ترتكب كل هذه الأخطاء، فتشنّ نصف حرب على افغانستان وتترك الارهابيين ينجون ليعودوا بقوة، ثم تشن حرباً غير مبررة على العراق تدمر البلد، وتقتل مليوناً من أهله، وتشرد ملايين أخرى في الداخل والخارج؟ ثمة حقيقة لا مفر منها هي أن جريمة ضد الانسانية ارتكبت، والمسؤول عصابة الحرب بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني، ومعه مجموعة من اليهود الأميركيين المتطرفين ضمت نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز، ووكيل الوزارة دوغلاس فايث، وريتشارد بيرل من مجلس سياسة الدفاع، واليوت أبرامز، المسؤول عن الشرق الأوسط في البيت الأبيض، والناطق الرئاسي السابق آري فلايشر... الكلام عن اليهود الأميركيين لم أقله أنا وإنما قاله سنة 2003 النائب العمالي البريطاني تام دالييل، وهو سياسي مخضرم لا يمت الى العرب بصلة. بعد شهرين من الحرب على العراق هبط الرئيس بوش على متن حاملة طائرات في اخراج سينمائي، وكأنه انديانا جونز، وأعلن أن "المهمة انجزت"، إلا أنه لا يزال ينجزها حتى اليوم. والشهر الماضي خطب الرئيس في قدامى المحاربين الأميركيين وأعلن أن أميركا أخطأت بالانسحاب من فيتنام، وأدى انسحابها الى أن دفع ملايين الناس هناك الثمن، وهو لا يريد تكرار المأساة في العراق. المأساة في العراق وقعت وثمنها مليون قتيل، وملايين اللاجئين داخل العراق وخارجه، والرئيس أخطأ مرة ثانية، فقد قُتل مئات ألوف الناس في فيتنام وكمبوديا ولاوس، بأيدي الأميركيين، وتراجع القتل كثيراً بعد رحيلهم مهزومين. وإذا كان من وجه شبه واحد مع فيتنام، فهو أن السلطات الأميركية في حينه زورت أرقام ضحايا الحرب، وادارة بوش تفعل الشيء نفسه اليوم، وهناك جدل أميركي - أميركي مسجل زاد في الأيام التي سبقت ذكرى ارهاب 11/9/2001، عن تزوير أرقام القتلى والجرحى، لا أزيد عليه من عندي سوى أن كل غارة أميركية تقتل مدنيين مع الارهابيين، هذا اذا كان هناك ارهابيون، ولكن لا نسمع شيئاً غير أن 20 ارهابياً قتلوا أو 30 ارهابياً، كأن الجنود الأميركيون زاروا الهدف وأحصوا القتلى، وأجروا دراسة على أصل كل قتيل وفصله. وهناك الآن جدل موازٍ عن الاصابات منذ زيادة القوات، فالقيادة العسكرية الأميركية تزعم أن الاصابات انخفضت منذ بدء زيادة القوات، غير أن مصادر أخرى تؤكد بقاء المعدل على حاله، والجدل مرة أخرى أميركي - أميركي. حرب العراق هي ذلك البيت الذي بني على رمل وجرفته الحقيقة نحو البحر. على الصعيد العسكري، الحرب على الارهاب زادت الارهاب حول العالم، والقاعدة وطالبان عادتا بقوة في حين أن العراق الذي لم يكن مسؤولاً عن أي ارهاب دُمّر. وهناك الآن 160 ألف جندي أميركي في العراق ونفقات الحرب حتى الآن تجاوزت 400 بليون دولار، وقد تتجاوز ترليونين من الدولارات في 20 سنة، مع الاعتناء بالمصابين والمقعدين في الحرب، وقد قتل أكثر من 3700 أميركي حتى الآن، أي بضع مئات أكثر من ارهاب 11/9/2001، ومن دون أي حسم عسكري. على الصعيد السياسي، حكومة المالكي فشلت، إلا أنها ليست مسؤولة عن الفشل بقدر مسؤولية الادارة الأميركية عنه، والمالكي الآن يحاول تنفيذ خطة جديدة، ما يعني ضمناً الاعتراف بفشل الخطة الحالية، وتقرير مكتب المراقبة الحكومي الأميركي نفسه يقول إن حكومة المالكي نفذت ثلاث نقاط فقط من أصل 18 نقطة مطلوبة. كان يفترض أن يحدد تقرير الجنرال ديفيد بيتريوس، والسفير ريان كروكر مدى النجاح أو الفشل على أساس الأداء العسكري والسياسي. إلا أن هناك خلافاً على تقويم نتائج زيادة القوات كما ذكرت، وفي غياب تقدم سياسي أصبح الرئيس بوش يتحدث عن "نجاح" من نوع آخر. هو بعد زيارته الخاطفة للعراق لم يجد مؤشراً على النجاح سوى تحالف الولاياتالمتحدة مع قبائل أو عشائر الأنبار. وهكذا فالنجاح لم يعد انجازات عسكرية وسياسية، وقيام دولة ديموقراطية تكون مثلاً للشرق الأوسط كله، وإنما تحالف بين أعظم قوة عسكرية واقتصادية في العالم مع عشائر سنّية في الأنبار. هل هذا نجاح؟ الاحتلال انتقل من التحالف مع الشيعة الى السنّة الآن، وهو مخطئ في الحالتين لأن المطلوب توافق وطني يجمع العراقيين جميعاً، فكل مشروع غيره يعني تقسيم البلد. ما كنت أتصور في حياتي أن يخلف نظام صدام حسين في العراق وضع أسوأ منه، إلا أن هذا ما حدث فعلاً. وكنت وكثيرون غيري نقول إن الخطة الأميركية فشلت، وأصبحنا نخشى أن تكون الخطة نجحت، فالمشروع الذي قادته عصابة الحرب باسم رئيس لا يعرف ولا يتعلم هو تدمير العراق خدمة لاسرائيل ولأحلام الأمبراطورية. غرض العدالة لن يستقيم إلا بتدمير الارهابيين المسؤولين عن جريمة 11/9/2001، ومثول عصابة الحرب الأميركية أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، فالقاعدة والعصابة وجهان لعملة واحدة.