صور العراقيين على الشاشات الصغيرة بعد فوز منتخبهم الوطني ببطولة أمم آسيا، أعادتنا للمرة الأولى ومنذ اندلاع الحرب الى رؤيتهم شعبا واحدا تغمره فرحة واحدة وتوحده الإنفعالات ذاتها بغض النظر عن المنطقة التي يسكنها هذا أو الإنتماء الذي ينتمي اليه ذاك. هو واحد من المشاهد التي لا تنسى، بل التي يمكن اعتبارها حالة في ذاتها: هنا جموع من مختلف الأعمار ومن الجنسين يلتفون حول علم بلادهم وينطلقون بأغاني وأهازيج الفرح في كل المدن العراقية وبلدان الشتات في مشهد يختصر الكلام كله ويلغي بضربة واحدة ما يستغرقه السياسيون من جدل عميق حول"حقوق"هذه الطائفة أو حرمان تلك. العراقيون بفرحتهم والتفافهم حول منتخبهم الوطني أزاحوا الغبار عن فكرة تسكنهم ولا تتزحزح، هي فكرة العراق الواحد وصاحب المأساة الواحدة، أياً تكن مفردات الإنتماء أو السياسة أو ضرورات الجغرافيا. ذلك أن الأب الكردي الذي توفيت زوجته يوم المباراة النهائية كان حريصا أن يشدد على إبنه لاعب المنتخب أن يلعب"من أجل العراق"ومن أجل إهداء الفرحة للشعب العراقي عربا وأكرادا متجاوزا محنته الشخصية. في المشهد دموع أيضا، فاللقاءات العفوية التي انعقدت مع صافرة نهاية المباراة رسالة تقول بالوضوح كله أن المحنة العراقية الراهنة هي الإستثناء وليست القاعدة، فيما لا تزال الروح العراقية الحقيقية، البسيطة، ولكن العميقة، هي ما يجمع أبناء الرافدين ويوحدهم لأنها روح الإنتماء الواحد والحضارة الواحدة والأهم من ذلك كله المستقبل الواحد. لعل هذا المعنى بالذات هو ما يفسر أن أحدا من العراقيين داخل العراق وخارجه لم يتعامل مع الحدث بصفته الرياضية"الصافية"بل ذهب الجميع نحو ما في الحدث الرياضي من رمزية كبرى... رمزية تتجاوز الراهن المأسوي لتصل الى تخوم الحلم بأن"تتأبد"لحظة الفرحة الكبرى هذه وأن تكون هي القاعدة وما عداها من أهوال يومية مجرد استثناء عابر وزائل. هل تكون الفرحة العراقية بالإنجاز الرياضي غير المسبوق لمنتخبهم الكروي درسا يتأمله السياسيون ويأخذون منه العبرة وهم يرسمون مستقبل بلادهم ومصير شعبهم الذي يتوق الى الفرحة الواحدة، بعد أن شبع حتى التخمة من الدمعة الواحدة تلك التي يوزعها القتل اليومي على الجميع. * كاتب فلسطيني.