يبدو أن فرنسا لم تكتف بأن تحظى بالمكانة الأولى للسياحة العالمية عبر تحقيقها 79 مليون سائح عام 2006، فوزير السياحة الفرنسي لوك شاتيل عّبر خلال الذكرى العشرين لتأسيس منظومة البيت الفرنسي عن رغبته في أن تحقق فرنسا كذلك أكبر نسبة إيرادات سياحية. فالتوقعات الفرنسية حسب الإحصاءات، دائماً متفائلة بالنمو، كذلك أرقام المنظمة العالمية للسياحة. فهذه الأخيرة تتوقع على مدى السنوات العشر المقبلة أن تتضاعف نسبة السياح في العالم، ومعها تتضاعف موارد السياحة وذلك حتى العام 2015. ومع أن موضوعنا لا يتناول العوامل التي أدت إلى ازدهار السياحة بهذا الشكل، إلا أنه لا يخفى على أي مراقب للأمور أن ذلك يعود إلى تطور شبكة الاتصالات والمواصلات وكذلك ارتفاع مستوى الدخل وازدياد نسبة وجود الدرجة المتوسطة وتغير مفهوم السياحة الكلاسيكي. فالسياحة لم تعد متعة الأغنياء وحدهم، لأن أي وجهة سياحية متوافرة لكل الميزانيات. إذن حسب منطق منظمة السياحة العالمية، يسود فهم كمي لاستراتيجيات نمو السياحة. ولكن بعض المدن لسبب أو لآخر لا تستطيع استيعاب مضاعفة عدد السياح. ومن بين هذه المدن نيس على الريفييرا الفرنسية. خيار الاستراتيجية النوعية في مقابلة أجريناها مع برنارد موريل، المدير التنفيذي لمكتب نيس السياحي، يجري هذا الرجل الضليع في التجربة السياحية، مقاربة بين مدينتي بيروت ونيس:"نيس كما بيروت، مدينة تقع بين البحر والجبل. جغرافياً، لا نستطيع أن نبني فنادق تستوعب 8 ملايين سائح. نيس ليست هيوستن أو تكساس". عدد زائري نيس عام 2006 بلغ 4 ملايين سائح، وهي أول مدينة فرنسية بعد باريس من حيث قدرتها الفندقية على استيعاب السياح. فالمدينة تسير باتجاه أن تكون قادرة على استيعاب زيادة 20% من عدد السياح عام 2015، بحيث يصل عددهم الى 5 ملايين. ولكنها تخطط لمضاعفة وارداتها السياحية على رغم الازدياد القليل نسبياً في عدد السياح حتى العام 2015 وذلك خلافاً لتوقعات منظمة السياحة العالمية. لذلك اختارت استراتيجية تنمية نوعية. فالمدينة الأوروبية الانتماء المتوسطية الجغرافيا تحقق موارد سياحية بقيمة 1.5 مليار يورو، وتحاول أن تضاعف المبلغ بحلول العام 2015. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم خاص بنيس ولا يشمل كامل مدن الريفييرا الفرنسية، وهو يشكل 4.06$ من مجموع الواردات السياحية الفرنسية التي بلغت 36.9 مليار يورو حسب إحصاءات هيئة البيت الفرنسي التي تهتم بالترويج السياحي للمدن الفرنسية في العالم. الاستراتيجية النوعية كما يفهمها موريل تشمل: تعزيز قطاع الخدمات، ومعرفة ثقافة السواح، وإرساء شبكة علاقات مع مؤسسات وشركات وهيئات تبادل سياحي عبر العالم، وتعزيز سياحة الأعمال. الأمر الذي يعول عليه المدير التنفيذي لمنظومة البيت الفرنسي تييري بودييه بحيث يتوقع أن تزيد إيرادات السياحة على المستوى الوطني لتصل إلى 40 مليار يورو خلال 5 سنوات. وأكد موريل أن الاستراتيجية النوعية تشكل الإطار لرؤية عامة تنموية على المديين المتوسط والبعيد. أما في المدى القريب، وبما أن البلدية تمول مركز نيس السياحي بنسبة 53$ فقط، فعلى هذا المكتب أن يحقق أرباحاً تخوله تحقيق استراتيجياته التنموية، خصوصاً أن ميزانيته بلغت 12 مليار يورو عام 2006. ويعتمد مكتب نيس السياحي سياسة بيع الصفحات والمساحات الإعلانية في مطبوعاته وفي موقعه على الإنترنت. وقد وضع نظام حجوزات فندقية على موقعه، بحيث تكون له نسبة ضريبية على كل حجز فندقي يتم عبر موقعه. هذا النظام الالكتروني أرساه المدير الحالي لمكتب نيس السياحي منذ العام 2001 وهو قيد التطوير المستمر، وربما يشمل في وقت لاحق قطاعات أخرى غير القطاع الفندقي. الضريبة على الحجوزات الفندقية وحجوزات الرحلات الاستكشافية وحجوزات المطاعم وغيرها يتم تحصيلها أيضاً عبر الحجز المباشر من أي مكتب سياحي للمدينة سواء في نيس أو باريس أو لندن أو ميونيخ أو نيويورك. هذا الوجود الانتقائي أثار حفيظتنا لنطرح السؤال على المدير التنفيذي لمكتب نيس السياحي: ألا يشكل هذا الخيار غطاء لمفاضلة سياح على آخرين؟ يقول:"المسألة ليست مفاضلة سائحين على آخرين، وإنما مسألة واقعية. فنحن نصنف الدول حسب عدد الزائرين الذين يأتون إلى نيس، ولا يمكننا أن ننتشر في كل دول العالم، لذلك علينا الاختيار". ويضيف"هذه إحدى المسائل التي تواجه السياحة في العالم، بحيث يجب موازنة الجهود والاستثمارات لتحقيق أكبر فعالية ممكنة". ويقسّم موريل الدول حسب عدد زوار نيس. تأتي فرنسا في المقام الأول، تليها بريطانيا، ثم ألمانيا ثم الدول الاسكندينافية. هذه الدول تقع في سياق الأوزان الثقيلة. ثم هناك الدول ذات النمو السريع، من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية وروسيا، ودول مجلس التعاون الخليجي في هذا السياق. ثم تليها الدول ذات القابلية لتصدير عدد أكبر من السياح، كالصين والهند واليابان. وأخيراً الدول حيث السياحة ناتجة عن جهد شخصي مثل لبنان وباكستان والبرازيل والأرجنتين والمكسيك. ولدى سؤالنا إن كانت توجد أي آفاق لتطوير سياحة متوسطية، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يدعم ويسوق لشراكة بين دول المتوسط، وأن نيس موقع سياحي مهم على البحر المتوسط، يقول موريل:"للأسف لا توجد حتى الآن منظمة أوروبية متوسطية تتبنى استباقياً هذه السياحة. حتى الآن كان توجهنا أوروبياً، فنحن أيضاً عضو في هيئة السياحة الأوروبية". ويضيف"لكن التعامل مع دول المتوسط وارد جداً، وهذا يعكس نوعاً من التعاون السياحي بين دول الشمال ودول الجنوب. فالجنوب ليس فقط وجهة سياحية، ولكنه أيضاً مصدّر للسواح كما الشمال. وهذا يندرج في إطار المحاولات لإخراج أوروبا من طابعها الكلاسيكي". [email protected] المكتب السياحي لمدينة نيس Office de Tourisme de Nice www.nicetourisme.com