في تطور من شأنه احداث هزة على الساحة السياسية في إسلام آباد، وجهت المحكمة العليا في باكستان برئاسة القاضي افتخار تشودري ضربة لحكومة الرئيس برويز مشرف، بإصدارها امس قراراً يأمر الحكومة بعدم وضع أي عراقيل أمام عودة رئيس الوزراء السابق نواز شريف وعائلته إلى البلاد، والسماح له بممارسة كل حقوقه السياسية أسوة بسائر المواطنين. وشكل القرار ضربة للتفاهم الذي خططت زعيمة"حزب الشعب"بينظير بوتو لإبرامه مع مشرف، على أمل عودتها الى باكستان وتوليها رئاسة الوزراء لتستفيد لاحقاً من تدني شعبية الرئيس وغياب اي منافس جدي لها على الساحة، للعودة بقوة الى الحكم عبر الانتخابات المقبلة. واثر صدور القرار القضائي، اعلن شريف من مقر اقامته الموقت في لندن، عزمه على العودة الى باكستان للمشاركة في الانتخابات المتوقعة نهاية السنة او بداية العام المقبل، وذلك كزعيم للمعارضة. واعتبر القرار"هزيمة للطغيان ويوم فرح للباكستانيين". واستقبل انصار نواز شريف القرار بفرح عارم، اذ تجمعوا امام مقر المحكمة العليا في إسلام آباد مرددين:"ارحل مشرف، ارحل". وقال تشودري نصار علي المسؤول في حزب شريف انه سيعود اوائل ايلول سبتمبر المقبل، فيما توقعت مصادر اعلامية ان يكتسح شريف الساحة السياسية كما تكتسح امواج المد تسونامي اليابسة بعد الهزات الكبرى. في المقابل، سارعت الحكومة الى التهديد بأن شريف لا يزال نظرياً موضع ملاحقة بتهم فساد خلال فترتي حكمه بين عامين 1990 و1993 ومن 1997 الى 1999. واتخذت المحكمة العليا قرارها أمس، بعد رفضها وثائق قدمتها الحكومة تحمل تواقيع شريف وأفراد عائلته، وفيها يقبلون بالنفي الاختياري لفترة عشر سنين، في مقابل إسقاط تهم وجهت اليه في 12 تشرين الأول اكتوبر 1999، منها التآمر والخيانة العظمى وسوء استخدام السلطة. وحوكم شريف وأُبعد من البلاد اثر انقلاب عسكري نفذه مشرف في حينه. وكانت المحكمة بدأت في التاسع من الشهر الجاري، النظر في طلب شريف السماح له بالعودة، ما أثار الجنرال مشرف وأركان الحزب الحاكم، ودعاهم للتفكير في فرض حال طوارئ في البلاد. ورفضت المحكمة طلب الحكومة تأجيل بت القضية شهراً بحجة البحث عن الوثائق الأصلية التي وقعها شريف، والتشاور مع حكومة صديقة كانت طرفاً في الاتفاق. ورأت المحكمة العليا ان منع أي مواطن من العودة إلى بلاده، يشكل خرقاً للدستور والحقوق التي كفلها للمواطنين. وكان شهباز شريف الشقيق الأصغر لنواز، حاول في كانون الاول ديسمبر 2004 الدخول الى البلاد عبر مطار لاهور الذي وصل إليه في نهاية رحلة من لندن، لكن الحكومة رحّلته على متن طائرة متوجهة إلى جدة، على رغم قرار للمحكمة العليا في ذلك الوقت بعدم وجود أي مانع قانوني يحول دون عودة شهباز أو نواز وأفراد عائلتها إلى باكستان. ورأت أوساط باكستانية ان قرار المحكمة الجديد، يشكل رداً من كبير القضاة افتخار تشودري على محاولة مشرف إقالته، قبل ان يأمر باقي قضاة المحكمة العليا ببطلان القرار الرئاسي، ما أعاد تشودري الى منصبه. وكانت المعارضة حشدت بين آذار مارس وتموز يوليو الماضيين، جموعاً ضخمة في تظاهرات شبه يومية للاحتجاج على إقالة تشودري. يذكر أن بوتو المنفية أيضاً، التقت مشرف في أبو ظبي قبل أسبوعين، بوساطة أميركية، للتفاهم على عودتها الى البلاد، في محاولة من مشرف لقطع الطريق على المعارضة الإسلامية التي اكتسبت زخماً في ظل المواجهة بينه وبين تشودري. وفي واشنطن أ ف ب قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية غونزو غاليغوس ان"الأمر يعود الى النظام القضائي الباكستاني، ونحن واضحون تماماً حول ما نأمل بأن نراه في باكستان". وتابع:"ما نرغب في ان نراه هو تعزيز للتقاليد الديموقراطية في باكستان، وتلبية رغبة الشعب في حكم مستقر تشارك فيه كل الجهات. ان النقطة الرئيسية هي اننا نرغب في باكستان ديموقراطية ومعتدلة".