"أنت طلبت مني رعاية إخوتي أثناء غيابك"، بهذه العبارة برر زياد ضربه لشقيقه الأصغر بعد أن رفض الانصياع لأمره والتوقف عن القفز فوق السرير. وتشكو أم زياد من الخشونة التي يمارسها ولدها ذو العشر سنوات مع شقيقه الصغير، على رغم محاولاتها جعله أكثر تقبلاً لحقيقة وجوده. وتقول:"أنجبت فارس بعد توقف ست سنوات، انشغلت خلالها باستكمال دراستي الجامعية". وتزيد:"أعاني حالياً من سيطرة زياد على فارس والتي تبلغ ذروتها عندما يقدم على ضربه حينما يعانده أو لا يلبي له طلباً". ما تعانيه أم زياد ينسحب على كثير من العائلات التي يتسلط فيها الشقيق الأكبر على اخوته لمجموعة أسباب تتحمل الأسر ووسائل الإعلام مسؤوليتها، بحسب أستاذ علم الاجتماع الدكتور موسى اشتيوي. ويوضّح اشتيوي أن ممارسة العنف الجسدي ضد الأشقاء الأصغر سناً أمر"شائع نسبياً"في الأسرة العربية التي تعطي الأخ الأكبر سلطة على أشقائه قد تمنحهم الضوء الأخضر للاعتداء عليهم. ويظهر أن الأهل يلعبون أحياناً دوراً في تعزيز السلوك العنيف عند الطفل البكر، وفق اشتيوي، عندما يكلفونه بإدارة شؤون الأسرة في غيابهم، ما يعني ضمناً إعطاءهم حق ممارسة السلطة على إخوتهم والتي ربما أساؤوا استخدامها. ويمضي اشتيوي، يبدأ الطفل عندما يحس بأنه في موقع المسؤولية بتقمص دور الأب الذي إذا كان يضرب أبناءه فإن الطفل الأكبر سيقوم بضرب إخوته أيضاً انعكاساً لنمط تربيته وطريقة تنشئته. ولثنائية السلطة والقوة ثقلها في تحليل ظاهرة السلوك العنيف الواقع من الشقيق الأكبر على إخوته، حيث يشير اشتيوي إلى أن السلطة ما هي إلا"ممارسة القوة المشروعة"فيما أن العنف هو الشكل الصارخ لاستخدامها، وعليه فإن إعطاء الطفل الأكبر امتيازات من دون غيره ترسخ في ذهنه أفضليته على إخوته وتعطيه الحق ضمنياً بالتسلط عليهم. وينصح اشتيوي الوالدين بمعاملة أبنائهم على قدم المساواة من دون الالتفات لتراتبية أو تسلسل إنجابهم، مؤكداً أنه الحل الأمثل لتجنب مشاكل كثيرة كتسلط الأخ الأكبر أو ضياع طفولته في الاهتمام بأشقائه الصغار، كما أنه لا يحرم الطفل الأوسط ولا يفسد الأصغر بالدلال. ويؤكد أن الأُخوّة علاقة معقدة ومتداخلة يلعب الأهل دوراً كبيراً في توجيهها وتكوينها وحفظ متانتها. ولتحقيق ذلك يدعو اشتيوي الأهل إلى تجنب إعطاء الطفل الأكبر امتيازات كاصطحابه إلى السوق والزيارات العائلية من دون سواه، لأنها ترسخ في ذهنه أفضليته على إخوته وتعطيه الحق ضمنياً بالتسلط عليهم. وتتعقد المشكلة عندما يكون الأخ الأكبر ذكراً، فعلى رغم كل تغيرات البنية الثقافية التي تعرضت لها الأسرة، لا تزال تعطي السيادة للولد على البنت، وفق اشتيوي. ويستعرض الخبير الاجتماعي دراسة محلية شارك فيها وكشفت عن"الأب يمارس العنف ضد أطفاله الذكور أكثر مما يفعل ضد الإناث"، وهو ما يراه اشتيوي"مبرراً قوياً لقيام الطفل الذكر بممارسة عنف عكسي على إخوته الصغار". وللطفولة المتأخرة خصوصية ربما تفسر السلوك العنيف للإخوة بعضهم ضد بعض، في هذا السياق، يقول اشتيوي إن الطفل في عمر تسع سنوات فما فوق يستعد للانتقال من مرحلة الطفولة المتأخرة للبلوغ. وهي مرحلة يحتاج فيها الطفل لتأكيد ذاته فهو يصبح أكثر إدراكاً لجنسه وأوسع وعياً لطبيعة دوره الاجتماعي وربما لجأ للعنف للتعبير عن ذاته. ولا يحصر اشتيوي أسباب تسلط الأخ الأكبر على التنشئة فقط بل يرى أن لأفلام الكارتون الموجهة إلى الأطفال، أثر في ذلك كونها تزخر بمشاهد العنف. فقصصها أصلاً، تقوم على بطل، إما أن يكون ذو تفوق جسدي واضح، أو أنه يمتلك أسلحة وقدرات خيالية مدمرة، معتبراً أن الطفل يتأثر بهذه المشاهد وقد يحاول تقليد ما يراه على محيطه، وخصوصاً إخوته ليفرض هيمنته عليهم عبر التفوق الجسدي. ويلفت اشتيوي إلى أن الألعاب المتوافرة في الأسواق تشجع كذلك على العنف بوصفه طريق التميز وتحقيق المكاسب. وفي إطار علاج تسلط الأخ الأكبر على إخوته، يؤكد اشتيوي أن التعاطي مع مثل هذه الحالات يحتاج إلى"نفس طويل"من جانب الأهل تبدأ بمراقبة سلوك الطفل العنيف للوقوف على أسباب تصرفاته ومن ثم معالجتها.