هل صحيح أن سورية تعاني من غياب الحنكة والحكمة السياسية ومعرفة فنون الديبلوماسية في العلاقات الدولية؟ هل أدت الضغوط إلى اهتزاز الدور السوري عربياً ودولياً؟ هل لتوتر علاقات سورية مع جيرانها أثر في عدم قدرتها على التركيز واختيار مبدأ"الاستقرار"السياسي والإقليمي؟ هل بات"تحالف"دمشق مع طهران"قسرياً"، ما يجبر حكومتها على تقليد النغمة الإيرانية لا النبرة العربية؟ هل غيَّرت سورية جلدها العربي بجلدٍ إيراني تشحنه أفكار"بعثية"حساباتها"قديمة"؟ بعد حوالي 48 ساعة تقريباً من تهجّم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على السعودية، ووصف دورها السياسي ب"المشلول"، ردت الرياض ببيان"عاصف"يحمل دلالات كثيرة، يقرأ من بين سطوره الواضحة، حجم"صمت"سعودي"مقصود"على ممارسات سورية"مكشوفة". ليست هناك مبررات كافية لتلك الطريقة التي تحدث بها الشرع عن الدور السعودي على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصاً انها لا تتفق مع محاولات توحيد الموقف العربي والاصطفاف السياسي سوياً في فترة"عصيبة"، تشهد توترات واضطرابات وفتناً وقلاقل في منطقة ترزح ما بين احتلال ومطامع دولية وما بين توقعات انبعاث حرب جديدة لتغيير خريطة المنطقة. جاء الرد السعودي على الشرع"مباشراً"من دون"مقدمات"، إذ لم يجامل الشرع ورفاقه السياسيين، مؤكداً انه"لا يصدر عن إنسان عاقل ومتَّزن". وهنا دلالة كاملة على"غضبة الرياض"مما حاول الشرع تسويقه وتسويفه، مشيراً إلى ان الشلل الذي تحدث عنه أصاب سياسة بلاده وليس السعودية. حاول البيان بطريقة"تعجبية"إيجاد المبرر للشرع على ان ما تحدَّث به زلَّة لسان، لكنه لم يخلُ من عبارات"مستترة"يقصد بها سورية مثل عبارة"عملت على نشر الفوضى والقلاقل في المنطقة"أو"المواقف التي لا يجرؤ أصحابها على الإعلان عنها ويعتقدون أنهم يستطيعون خداع الأمة العربية والإسلامية مع أن أعمالهم تنطق عن سوء نياتهم بأفصح لسان". في اعتقادي الشخصي التحليلي، ان كلام الشرع لم يكن"نابياً"كما تعنيه هذه الوصفة اللغوية، كما كان كلام غيره سابقاً، إلا إذا كان هناك كلام لم نقرأه أو نسمعه، لكنه من المؤكد كان كلاماً"خاطئاً"لا يخدم المصالح والعلاقات العربية - العربية، وتضمَّن مغالطات قصدت منها الإساءة إلى المملكة. البيان السعودي حمل إشارات جيدة في حرص المملكة على علاقاتها مع سورية، لافتاً إلى ان مسببات الخلل والفتور الحاصل في علاقات البلدين ليست للمملكة يد فيها، في إشارة صريحة إلى أن من يجب أن يصلح ذلك الخلل"الطارئ"هو السيد الشرع ومَنْ على شاكلته من السياسيين الذين يعرفهم جيداً. كما حمّلت السعودية الفلسطينيين مسؤولية الدفاع عن"اتفاق مكة"، رافضة التدخل في شؤونهم بعد أن قامت بدورها العربي والإسلامي، مشيرة إلى ان بإمكانهم الرد على تلك الاتهامات والإيماءات التي وردت في حديث الشرع حول نياتهم، إذ جاء في البيان:"الفلسطينيون قادرون على توضيح مواقفهم وتبرئة أنفسهم من العمالة لأي دولة على النحو الذي لمح إليه الشرع". كما ذكّر البيان بأواصر الأخوة"الحقيقية"بين الشعبين السعودي والسوري وصمودهما قديماً وحديثاً في وجه المحن والأزمات، إلا انه كرر الغضبة"العارمة"من تصريحات الشرع التي لا تخدم"الأخوة التي يحرص عليها السوريون والسعوديون، إلا أنها ستبقى وتقوى على رغم الأصوات المنكرة التي ستذهب ويذهب أصحابها أدراج الرياح". لم يعهد عن الديبلوماسية السعودية التسرّع في الرد على محاولات النيل من مواقفها وأدوارها، إلا أنها هذه المرة رفعت الصوت عالياً ببيان عاصف ضد تلك المزايدات. وهو دليل على عدم التوافق"السعودي - السوري"في مواقف كثيرة، خصوصاً ان تصريحات نائب الرئيس السوري ضد المملكة سبقتها تصريحات اساءت الى بعض القادة العرب. الأكيد ان المهاترات ورفع الأصوات لتأجيج المساجلات، لا تخدم الوفاق العربي ولا العمل المشترك، لكن غياب الحكمة والحنكة السورية كان محفزاً لاستثارة النَفَس السعودي الطويل بالتعبير عن"غضبة صريحة"، ليس من الشرع وحده بل من آخرين وآخرين. اعتقد أن عدم تقدير سورية"لحساسية الأوضاع في المنطقة، والارتماء في الحضن الإيراني وتنفيذ أجندة طهران في التغلغل إقليمياً لتهميش الدور السعودي من"مشوهات"العلاقات السورية حالياً داخل البيت العربي. لا شك في ان سورية تدرك قوة السياسة السعودية ومدى فاعليتها عربياً وإسلامياً ودولياً، إلا انها تشترك مع آخرين بينهم إيران وليبيا في محاولة لتحجيم الدور السعودي"المعتدل"وتسويق الاضطرابات عبر تأجيج الصراعات داخل المنطقة العربية. لم تحاول سورية إطفاء الحرائق لإعادة تعبيد الممرات السياسية بين دمشقوالرياض بالمسالك الديبلوماسية، خصوصاً بعد كلام الرئيس الأسد في المرة الأولى، كما أنها لم تفعل ذلك مرة أخرى في بيانها الأخير بعد تصريحات الشرع، إذ ما زالت دمشق تبرر مواقفها وترفع الشعارات وكأنها"معصومة عن الخطأ". ماذا كان سيضيرها لو اعترفت ب"زلة لسان"الشرع وأصلحت حال سياستها وفكّرت جيداً في مصالحها العربية والإقليمية التي تخدم شعبها عبر تلطيف الأجواء"الساخنة"، بدلاً من الدخول في غياهب"العزلة"التي يبدو أنها تطرق أبواب عاصمتها بفضل عدم تقدير ساستها لحساسية أوضاع المنطقة؟