الأمن بالتراضي والأمن الخاص، الأمن الممسوك والأمن الذاتي ... كثيرة هي الكلمات والتعابير التي تقترن بالأمن في لبنان. إلا أنّنا في هذا التحقيق سنسعى إلى الوقوف عند شكلين حديثين - قديمين من هذا الأمن، هما الأمن الذاتي والأمن الخاص ... في حديثه عن أزمة نهر البارد، أكّد"رودريغ"الطالب في كلّية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية أنّ الجيش مدعوم لبنانياً وعربياً ودولياً، متسائلاً عن سبب عدم حسمه الأزمة،"فإذا كان الجيش غير قادر على بسط الأمن، فلنعد إذاً الى الأمن الذاتي!" كلام"رودريغ"قد يحمل الكثير من الدلالات الذي تذهب أبعد من التمنّي على الجيش الحسم في أزمة البارد. فأمام الكلّية نفسها، شرائط حمر تزنّر المكان، وطوق أمني مضروب منعاً لركن السيّارات في مكان قريب، ما يشكّل خطراً على أمنها. إجراء كهذا تتّخذه اليوم، وفي المناطق اللبنانية كافّةً، مؤسّسات رسمية وخاصّة كثيرة. باختصار، الأمن يتمّ توسّله حيناً بسبل حديثة كاللجوء إلى خدمات شركات الأمن الخاص وأحياناً أخرى بسبل قديمة، يعرفها اللبنانيون جيّداً ألا وهي الأمن الذاتي. هذا الأمر قائم اليوم على حراسة الشبّان للشوارع في أوقات الليل وحتّى ساعات الفجر الاولى. خدمات الأمن الخاص، هي أحد الأشكال التي انتشرت وتوسّعت في الحقبة الأخيرة ومؤشّرات هذا الانتشار تأسيس زهاء عشر شركات تقدّم هذا النوع من الخدمات ليبلغ عددها اليوم، ما يناهز الثلاثين شركة. والجدير ذكره أنّ عددها يفوق حاجة السوق اللبنانية وقدرة استيعابها. كما أنّ التوزّع الجغرافي لهذه الشركات لا يمتدّ على كامل رقعة الأراضي اللبنانية، بل يتمركز معظمها في المدن. الأمن بين طريق الجديدة والشركات الخاصّة في الطريق الجديدة، يرويّ"عمر"، الذي تجاوز الخامسة والعشرين من العمر، كيف بدأ شبّان الطريق الجديدة بحمايتها، وهو بالطبع أحدهم:"وردت الفكرة إلى اذهاننا في العام 2006، بعدما بدأت موجة التفجيرات. تجمّعنا واتّفقنا على القيام بأمرٍ ما لحماية المنطقة". الشبّان ينقسمون إلى مجموعات، كلّ منها تتألّف من ثلاثة إلى أربعة شبّان يتمركزون في إحدى الزوايا ليحلّ مكانهم آخرون بعد أربع ساعات. المناوبات تبدأ في الخامسة من بعد الظهر ولا تنتهي حتّى الصباح، والالتزام بالنسبة للشخص الواحد هو يوم للحراسة ويوم لعدمها. أمّا المسافة التي تفصل بين المجموعات في الشارع الكبير فهي حدود نظر شبّان المجموعة: حيث تعجز العين عن الوصول والتحديق، تجلس مجموعة أخرى لتلعب كما معظم المجموعات ورق الشدّة ولتنفخ الأراكيل، هكذا يقضي الشبّان أوقاتهم. البعض متطوّع، لا يقبل بتقاضي الأموال لأنّ"المنطقة منطقتي! أنا ابن الطريق الجديدة! نريد المحافظة على بيتنا، وسيارتنا، وأموالنا، وأموال الناس! يجب أن أحمي عائلتي وأبناء وبنات المنطقة!". لدى ملاحظة أمرٍ غريب غير اعتيادي، يتّصل"حرّاس"الطريق الجديدة بالطوارئ."السلاح غير موجود"يشدّد عمر."ولكن من السهل ايجاده خلال دقائق خمس". عن خدمات الأمن التي تقدّمها شركات الأمن الخاص تحدّث وسام شرتوني نائب المدير العام في إحدى الشركات الأمنية لپ"الحياة"فقال:"نوفر الأمن لمحلات كبرى، شركات، ومطاعم كما نستطيع مواكبة شخصية مهمّة...لا نؤمّن طريقاً أو شارعاً، لسنا بديلاً من الدولة. نساعد، ونراقب، إذا لاحظنا أمراً غير عادي، لدينا غرفة عمليات مشتركة ونبلّغ الدولة أنّ لدينا سيارة مشبوهة مثلاً. نحن نساعد عندما نستطيع المساعدة". ويصرّ مدير شركة أمن خاص أخرى وهو لطف الله يازجي على التكامل بين عمل السلطات الرسمية ودور شركات الأمن الخاص ويقول:"شركات الأمن الخاص تعمل كامتداد للسلطات الرسمية وتحت رقابتها ونظرها. الدور الأساسي والأهمّ هو للسلطات الأمنية. الأمن الخاص محدّد في الأملاك الخاصّة تقليدياً وتاريخياً وقانونياً ويشكل مساعدة إضافية فعّالة لا بدّ منها للسلطات الرسمية، نساعد في شكل متخصّص ونراقب المناطق الخاصّة حيث لا حضور فورياً للسلطات. لا تضارب بين عمل الدولة وعمل شركات الأمن الخاص". ولكن ما هي هذه الشركات الأمنية التي يملأ شبّانها شوارع المدن؟ لا شكّ في أنّ سوق الأمن الخاص توسع ليضم في الحقبة الأخيرة شركات منافِسة جديدة، يصفها شرتوني بپ"الشركات التي تؤسّس حديثاً لتقفل مع انتهاء الموسم الذي أسّست خلاله. الشركات التي تفتتح اليوم ستقفل في حال تغيّر الوضع الأمني الراهن". ورأى يازجي أنّ"الطلب على خدمات شركات الأمن الخاص أمر طبيعي، فلديها مهمات لحماية الأملاك الخاصّة للمواطنين وللسوق الاقتصادية والمصرفية والتجارية". البحث عن الأمن في محلّة جديدة المتن، ما زال في بدايته, فقد طلب أهالي وسكّان أحد الأحياء، على ما يقول"وليد"الثلاثيني، من ما يقارب 10 شبّان من الحيّ التناوب على حراسة الشارع. وكانت الخطّة تقضي بتولّي خمسة شبّان الحراسة أثناء ساعات الليل وخلال أوقات فراغهم إلى حين تفرّغ مجموعة أخرى من خمسة شبّان آخرين وانصراف المجموعة الاولى إلى أعمالها. كلّ ذلك لقاء مبلغ من المال يُدفع شهرياً لهم، قد يصل إلى 200 أو 300 ألف ليرة، تجمع من سكّان الحيّ. ويشير وليد الى ان"حراسة الشبّان للشوارع هو نوعٌ من العودة إلى زمن الميليشيات". وهذا ما أدّى إلى تريّث السكّان في اختيار نوع الأمن المطلوب. إضافةً إلى المشاكل التي قد تسبّبها الحراسة الذاتية لدى تطاول الشبّان على الغرباء الوافدين إلى الحيّ، تحت ذريعة حمايته أمنياً. هل من فائدة؟ للوهلة الاولى، وبالنسبة الى البعيدين من مهنة الأمن الخاص وشركاتها وأسواقها، الدنيا بألف خير! عدد الزبائن الذين يطلبون الخدمات الى ارتفاع، والاستفادة من الوضع الأمني غير المستقرّ كبيرة! يازجي قال:"لا شكّ في ازدياد الطلب على خدمات شركات الأمن الخاص، ولكنّ هذا الطلب ليس دائماً". وفسّر"الأشخاص الخائفون في مرحلة معيّنة أكانوا مؤسّسات أو أفراداً يطلبون خدمات شركات الأمن لفترة محدّدة. بالنسبة الينا لا شيء يعوّض الخسارة الكبيرة جدّاً، وبآلاف الدولارات بسبب الشركات التي تركت لبنان ولم تعد تحتاج لا إلى حراسة ولا إلى صيانة ولا إلى مراقبة من جانب شركتنا". وأوضح شرتوني أنّ الاستفادة في هذا الوضع الأمني الدقيق ليست هي المطلوبة، وما يحصل لا يعود بالفائدة أبداً على الشركات:"صحيح أنّ هناك عملاً لنا ولكنّه ليس العمل الذي نهتمّ له. يهمّنا أن يكون العمل سياحياً: كحضور شخصيات من خارج لبنان تطلب خدماتنا لتأمين حمايتها الذاتية، وتأمين الحماية لحفلات كبرى... فالعمل خلال الموسم السياحي يعطي نتائج أفضل من العمل والمراقبة في هذا الوضع الأمني. وأضاف:"ما يهمّنا هو أن تستثمر الشركات الكبرى في لبنان فتطلب منّا تأمين الحماية لها وتقديم خدمات عشرين شاباً مثلاً. ثمّ أن تتوسّع هذه الشركات فتطلب منّا المزيد من الخدمات والحماية. هذا ما نصبو إليه. حركة عفوية رفض باسم وهو أحد شبّان وطى المصيطبة تسمية ما يقوم به مع رفاقه"حراسة"، واعتبر أنّهم يبقون بجانب بيوتهم ليهتمّوا بأملاكهم من سيارات ومحلات... كلّ بحسب قدرته على السهر. فالبعض يبدأ عمله في الصباح الباكر ولا يستطيع السهر على أمن المنطقة مطوّلاً، والبعض الآخر يبقى ساهراً حتّى ساعات الصباح الاولى. ليست لديهم صلاحيات ليتّخذوا أي إجراء والسلاح غير موجود وفي حال ملاحظة أي مخالفة، على الشبّان الاتّصال بالرقم 112 رقم قوى الأمن الداخلي ومتابعة مراقبة المخالف حتّى وصول قوّات الأمن وتسلّمها المسؤولية. الاقتراب من المخالف لطلب هويّته مثلاً أو للاستعلام عنه غير مسموح. ولحظ باسم الذي بقي يقوم بمهمات الحراسة حتّى الخامسة من صباح ذلك اليوم"كلّ يقوم بمهمات الحراسة في منطقته". في وطى المصيطبة شبّان المنطقة وأهاليها يرابطون من دون تنظيم، فالحركة عفوية. ومن لا يريد منهم القيام بذلك فلا أحد يجبره. أمّا غياب التنظيم والرتب والمسؤولية فردّه باسم إلى عدم تقبّل الناس للأمر، كما أنّه لا كفاءة لدى أحد لتنصيبه في موقع المسؤولية عن الآخرين. ويشدّد باسم:"الخدمة البسيطة التي نقوم بها هي تبليغ الپ112 عن أي سيارة مشبوهة أو عن أحد لا نعرفه. أمّا العودة الى مبدأ الميليشيات، فهو أمر غير وارد ولا تزال هنالك دولة موجودة لن تقبل بذلك! المستقبل للدولة، ليس للميليشيات ولا للأمن الذاتي. الدرك على علم والتنسيق يحصل معهم طبعا"ً. خدمات ليست للجميع حدّد شرتوني التكاليف التي يتكبّدها الزبون بپ660 دولاراً أميركياً شهرياً للحارس الواحد. وتزداد الكلفة مع ما يضاف من خدمات ومراقبين على الحرّاس. زبائن شركات الأمن هم المشاريع الكبرى أو الناس المقتدرون مادياً بحسب شرتوني. وبحسب يازجي هم المصارف، والمصانع، والشركات التجارية الكبيرة والمتوسّطة والصغيرة ثمّ منظّمات الأمم المتّحدة، وشركات التلفزة، ثمّ الأشخاص وبيوتهم ثمّ المدارس والجامعات الكبيرة.