يمضي الإنسان تسعة أشهر تقريباً من عمره وهو يسبح في وسط مائي عندما يكون جنيناً في بطن أمه، وعند خروجه منه الى هذه الدنيا تكون نسبة الماء فيه هي الغالبة بحيث تصل الى حوالى 75 في المئة من وزنه، لكن هذه النسبة لا تلبث ان تتراجع الى حوالى 60 في المئة عند البلوغ، وفي خريف العمر تهبط هذه النسبة الى الخمسين في المئة أو ربما أقل. والماء يوجد في كل أنسجة الجسم، لا بل في كل خلية من خلاياه، خصوصاً في السوائل الجوالة، كالدم واللمف والسائل الدماغي الشوكي، فالماء هو البيئة التي تجري فيها مختلف العمليات الكيماوية والفيزيولوجية. الماء عصب الحياة، الى درجة ان الإنسان يستطيع العيش من دون غذاء أسابيع عدة، لكنه لا يستطيع البقاء على قيد الحياة من دون ماء إلا لأيام محدودة جداً لا تتعدى الخمسة أيام على الأكثر، فغياب الماء يعني بدء العد العكسي لتوقف عمليات الجسم الحيوية، وهذا ما يقود الى الموت لا محالة. وإذا كان الماء هو عماد الحياة، فهو في الوقت نفسه ناقل ممتاز للكثير من الأمراض في حال تعرضه للتلوث بالفيروسات والجراثيم والديدان والطفيليات، وهذه الأمراض تقتل سنوياً أكثر من خمسة ملايين شخص. ويشكو حوالى بليونين ونصف بليون شخص من أمراض لها علاقة بالماء، و60 في المئة من أمراض الطفولة هي نتيجة أمراض ميكروبية وطفيلية لها علاقة بالماء. وفي ما يأتي أهم الأمراض المنتقلة من طريق الماء: الكوليرا يشكل مرض الكوليرا تهديداً صحياً كبيراً في الكثير من البلدان النامية بسبب عدم توافر مياه نقية صالحة للشرب. والعامل المسبب لهذا المرض ينتقل بسهولة من طريق الماء الذي يعتبر واسطة"السفر"الرئيسة له. وما ان تحط جرثومة الكوليرا رحالها في الأمعاء حتى تبدأ بإطلاق سم يقف وراء عوارض الكوليرا. وأول عارض ناطق للكوليرا هو الإسهال المائي العنيف الذي يمكن ان يؤدي سريعاً الى الإصابة بالجفاف والصدمة وربما الموت سريعاً، إذا لم يتم تدارك الأمر في الوقت المناسب، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن والمرضى الذين يشكون من علل مزمنة. ان علاج الكوليرا يقوم ببساطة على تعويض المصاب ما اضاعه من سوائل وأملاح معدنية، فعندها تتلاشى عوارض الكوليرا ويستعيد المريض عافيته بعد إعطائه ما يلزم. ولا شك في ان الجهود الدولية سمحت بتضييق الخناق على تفشي الكوليرا، ولكن ما زالت هناك مناطق قابلة لانفجار الداء فيها لتوافر عامل وظروف مناسبة تمكّن جرثومة الكوليرا من ان تسرح وتمرح على هواها. التهاب الكبد A إن شرب الماء الملوث بالفيروس A هو سبب مهم للإصابة بالتهاب الكبد A الذي يعد من أكثر التهابات الكبد تفشياً في العالم. وهذه الإصابة قد تحصل لأي شخص وفي أي عمر، لكنها غالباً ما تداهم الأطفال في الأماكن التي يتدنى فيها مستوى النظافة. إن اكثر من 80 في المئة من إصابات التهاب الكبد A تمر على شكل هجمة انفلونزا من دون علم أصحابها بأن المرض زارهم. ولا توجد معالجة نوعية لالتهاب الكبد A، فالشفاء منه يتم تلقائياً خلال اسابيع قليلة، والميزة الجيدة في هذا الالتهاب انه لا يتحول الى مرض مزمن إلا في حالات قليلة جداً، إن لم تكن نادرة. شلل الأطفال وهو مرض شديد العدوى ادى الى وفاة كثيرين وسبّب إعاقة دائمة لكثيرين ايضاً. لقد أملت منظمة الصحة العالمية إعلان خلو العالم من شلل الأطفال في العام 2005، ولكن حتى الآن ما زال بعض البلدان يعاني منه مثل اندونيسيا والهند وباكستان وعدد من الدول الافريقية، وعاد المرض للظهور في بلدان أخرى بعدما سجلت خلوها منه، والسبب بسيط للغاية، فالإنسان هو المستودع الوحيد لفيروس الشلل، وما دام هناك طفل مصاب به، فإن أطفال الكرة الأرضية كلها مهددون بخطر التعرض للمرض. إن فيروس شلل الأطفال ينتقل عبر مياه الشرب الملوثة، وهو فيروس شرس يوجد على شكل ثلاثة أنواع، والأول منه هو الأكثر إحداثاً للشلل، ومتى عبر الفيروس الى الجسم فإنه يتوجه في شكل خاص نحو الخلايا العصبية الحركية في النخاع الشوكي والمخ بهدف إلحاق الأذى بها. ولا علاج لشلل الأطفال والسبيل الوحيد للوقاية من هذا المرض الخطير هو اللقاح الذي يعطي مناعة مدى الحياة. الأميبيا تطلق على الأميبيا أسماء أخرى مثل الدوسنتاريا، الزحار، وسبب هذا الداء هو طفيلي يدعى"المتحولة". ومرض الأميبيا شائع جداً خصوصاً في المناطق المدارية التي يتدنى فيها المستوى الصحي. إن الإنسان هو المستودع الرئيسي للمتحولة الأميبية. فهو ينشرها من طريق البراز لتصل الى الآخرين بعد تناولهم أطعمة أو أشربة ملوثة بها. إن عشر سكان الكرة الأرضية يعانون داء الأميبيا، والإصابة بهذا الداء، إما تكون صريحة أو خفية، والمشكلة في هذا المرض، انه لا يضرب الأمعاء فقط، بل تتمدد شظاياه لتطاول الكبد والرئتين ايضاً. وفي حال الإصابة المعوية الصريحة يشكو المريض من إسهال متقطع كريه الرائحة مع وجود دم ومخاط في البراز. ويترافق الإسهال عادة مع مغص وانتفاخ في البطن. وفي بعض الحالات النادرة، قد يعاني المصاب من هجمة"أميبية"صاعقة تتظاهر على الشكل الآتي: إسهال عنيف متكرر، آلام بطنية قوية، وارتفاع في الحرارة حتى الأربعين درجة مئوية. هذه العوارض قد تسبب الجفاف والإنهاك وسوء الحال العامة. وقد تسير الأميبيا المعوية نحو الأسوأ، مؤدية الى عواقب وخيمة، مثل انثقاب الأمعاء، والتهاب الزائدة الدودية والتهاب القولون الصاعق الذي قد ينتهي بالموت. أما في شأن الأميبيا الكبدية، فهي تفصح عن وجودها عادة على شكل خراجة كبدية، تتظاهر بارتفاع في الحرارة، والتعرق، ونقص الوزن، وهذه الخراجة غالباً ما تكون يتيمة توجد في الجهة اليمنى للكبد لأنها تتلقى معظم الدم الآتي من القولون. وبخصوص الأميبيا الرئوية فهي تؤدي الى معاناة المصاب بها عدداً من العوارض منها: ضيق التنفس، ارتفاع الحرارة، آلام في الصدر، السعال، تقشع مفرزات مضرجة بالدم. هناك وسائل فعالة لتشخيص داء الأميبيا، وأيضاً هناك ادوية فعالة قادرة على وضع حد لهذا الداء، وأحياناً قد يستعمل الطبيب أدوية عدة للقضاء على المرض نهائياً. حمى التيفوئيد وهي مرض ناتج من الإصابة بجراثيم السالمونيلا التي تنتقل من شخص الى آخر من طريق الماء والأطعمة الملوثة. وبعد دخول الجرثومة بأسبوع الى أسبوعين، يعاني المصاب من حمى عالية وأوجاع في البطن، وقد تظهر اندفاعات جلدية وردية اللون على الصدر والبطن. كما يصاب المريض بإعياء عام وسعال وصداع وألم في الحلق والإمساك. وعلى رغم ارتفاع درجة حرارة الجسم، فإن ضربات القلب لا ترتفع كما هي العادة في الأمراض الحموية، بل تنخفض. تنتشر حمى التيفوئيد في شكل رئيس في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، والإصابات في هذه البلدان تكون إما فردية أو على شكل جائحات وبائية، لكن الإصابات الفردية بهذه الحمى ما زالت تشاهد في بلدان لا تنتشر فيها هذه الحمى، والسبب يرجع الى العدوى بالجرثومة المسببةبعد السفر الى مناطق موبوءة. وإذا أخذنا بإحصاءات مركز السيطرة على الأمراض في اتلانتا في الولاياتالمتحدة، لوجدنا أن أكثر من عشرين مليون شخص يصابون سنوياً بحمى التيفوئيد. يتم تشخيص حمى التيفوئيد بناء على تحاليل خاصة، أما علاجها فيقوم على إعطاء مضادات حيوية توقف نمو الجرثومة المسببة وتعجل الشفاء منها. أما عن اللقاح فهو متوافر، لكنه يعطي مناعة محدودة ولسنوات قليلة. في المختصر هناك آلاف الأشخاص الذين يموتون يومياً، خصوصاً الأطفال، بسبب الأمراض التي ينقلها الماء والتي يمكن الوقاية منها بسهولة من طريق توفير الماء النظيف الصالح للشرب. إن الماء سريع التلوث، من هنا يجب التأكد من سلامته قبل شربه أو إعداد الطعام به، وإذا كان هناك أدنى شك في نظافة الماء، فيجب غليه قبل شربه، أو استعماله للغسل، أو لتحضير الطعام أو انواع العصائر المختلفة، وطبعاً يجب ألا ننسى النظافة الشخصية وغسل اليدين المتكرر.