بعد مسلسل "وجع التراب" الذي اقتبسه عن رواية "الأرض" للكاتب الفرنسي إميل زولا، ها هو المخرج المغربي شفيق السحيمي يلجأ مرة أخرى الى الأدب العالمي. المسلسل الأول كانت قدمته القناة المغربية الثانية في شهر رمضان الماضي، ولاقى نجاحاً كبيراً لدى الجمهور المغربي محققاً نسبة عالية من المشاهدة، الى حد أن أصبح كل الممثلين الذين تواجدوا فيه نجوماً معروفين أو شبه نجوم، بدءاً من مخرجه نفسه شفيق السحيمي الذي جسد دور الأب وتألق في تجسيده. في"وجع التراب"بدا واضحا أن عملية الاقتباس التي قام بها المخرج بنفسه أضفت على أحداث القصة المجسدة فيه طابعاً مغربياً أصيلاً، حيث ربطتها بالواقع المحلي وما تشهده البوادي المغربية من صراعات حول الأرض. واليوم ها هو المخرج شفيق السحيمي يعود مرة أخرى الى صوغ مسلسل تلفزيوني جديد استوحى قصته من الكاتب الروسي دوستويفسكي، تحديداً من رائعته المعروفة"الإخوة كارامزوف"في بعدها الإنساني العام، ولكن مع عملية استنباتها في التربة المغربية بحيث تبدو أحداثها وكأنها وقعت في المغرب بالضبط وليس في أي بلد آخر. المسلسل يحكي قصة رجل مغرم بالملاهي، يعشق حياة اللهو والمجون، يتزوج من امرأة أولى تنجب له ولداً لتفر بعد ذلك في صحبة رجل آخر، فيتزوج الرجل من ثانية تموت بعد أن تنجب له ابنين. فيقوم بالارتباط سراً بامرأة ثالثة تلد له ابناً آخر غير شرعي، لتمتد الأحداث متشابكة بكثافة وتتطور الصراعات معها بعد ذلك، كما هو الأمر في القصة الأصلية أي"الإخوة كارامزوف"مع مراعاة بطبيعة الحال خصوصية المجتمع المغربي وعاداته وتقاليده. على رغم أن رواية"الإخوة كارامزوف"التي يشتغل عليها المخرج شفيق السحيمي الآن في مسلسله الجديد سبق أن قدمتها السينما العالمية في أكثر من فيلم، كما هو الحال أيضاً مع رواية"الأرض"لإميل زولا، فإن ما يشفع للمخرج في إعادة تقديمها هو حرصه الشديد على جعلها قصة أخرى تحافظ على بنية أو نسق القصة الأصلية، لكن ضمن عادات المجتمع المغربي وتقاليده، ما يضفي عليها"طابعاً محلياً الى حدود تبدو فيها للذي لم يسبق له أن قرأها وكأنها قصة مغربية جديدة من خيال وإبداع مخرجها وليست قصة مقتبسة"، كما صرح المخرج نفسه، وهي عادة طبعت مجمل أعمال المخرج سواء المسرحية منها أو التلفزيونية السابقة والتي نجح فيها وتألق في صحبة الطاقم المرافق له الى حد بعيد. تجدر الإشارة أيضاً الى أنه اضافة الى نوعية الروايات العالمية التي يحرص المخرج شفيق السحيمي على تقديمها للمشاهد المغربي ومن خلاله الى المشاهد العربي والتي تتميز بطابعها الإنساني العام الذي يجعلها قابلة للتعبير عن الإنسان أينما وجد، فإنه يحرص كذلك على اختيار الممثلين الأكفاء الذين يكونون في مستوى نقل هذه الأحداث وتجسيد مسارات الشخصيات المعبرة عنها. ومن هنا نجد حضوراً قوياً في هذا المسلسل لكل من الممثلين المقتدرين نعيمة إلياس ومحمد خيي ومحمد الخلفي وعبداللطيف خمولي وسهام أسيف، إضافة طبعاً الى شفيق السحيمي نفسه الذي يجسد دور الأب في هذا المسلسل، كما جسده بحرفية كبيرة في المسلسل السابق"وجع التراب"مع اختلاف طبعاً في الطبائع والمصائر والرؤى، من دون أن ننسى وجود ممثلين آخرين سيكشفون عن جدارتهم التجسيدية وربما سيفاجئون الجمهور بها. وكعادة المخرج شفيق السحيمي في المسلسلات التلفزيونية التي قدمها، فإنه يحرص هذه المرة أيضاً على تقديم هذا المسلسل باللهجة المغربية الدارجة"لأنها الأقدر على تجسيد عواطف الشخصيات وتقديم صورة عن الواقع المغربي في غناه وتنوعه". فهل سيوفق شفيق السحيمي هذه المرة أيضاً في شد انتباه الجمهور المغربي الى متابعة مسلسله هذا كما فعل في السابق حين قدم مسلسل"وجع التراب"أم أن وفرة المسلسلات التلفزيونية سواء التي تقدم في القنوات المغربية أو العربية ستحول بينه وبين ذلك؟ هذا ما سنعرفه لدى عرض هذا المسلسل في رمضان المقبل.