ليس من عادة الحياة الثقافية الفرنسية، وصولاً الى الإعلام المصور في هذا البلد، الاهتمام بعدد من البلدان والمناطق في"العالم الخارجي"التي لم تكن في السابق خاضعة للاحتلال أو للانتداب الفرنسي. من هنا تكاد الهند تكون غائبة تماماً، بديموقراطيتها الأوسع في العالم، وبسكانها البليون. اعتاد هذا الغياب أن يكون محط انتقاد، من جانب المهتمين الفرنسيين أنفسهم. ولكن يبدو أن شيئاً ما، بدل الأمور بعض الشيء هذه السنة. وهذا"الشيء ما"هو في الحقيقة اختيار الهند ضيف شرف في معرض باريس للكتاب في الربيع الفائت. هذا الاختيار قلب الوضع تماماً، إذ انتشرت ترجمات الأدب الهندي وعرضت الأفلام البوليوودية، وصارت الهند على كل شفة ولسان. كان من الطبيعي أن يصل هذا الاهتمام المتجدد الى التلفزيون. ولكن لم يكن متوقعاً أن يصل دفعة واحدة. وتحديداً في ما يتعلق بالتاريخ السياسي للهند. إذ ها هي الشاشات الفرنسية، لا سيما مساء اليوم، تنتقل مباشرة الى ذلك التاريخ، وإن عبر مجموعة من أفلام وبرامج انكليزية الأصل، ليصل الأمر الى ذروته مع عرض صاخب لفيلم"غاندي"من اخراج ريتشارد آتنبورو. اما اهتمام اليوم فينصب على السيدة أنديرا غاندي، إحدى السيدات الفولاذيات في سياسة العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تقدم قناة"بلانيت"، ساعة كاملة تستعرض حياة هذه السيدة ونضالاتها السياسية وصولاً الى اغتيال السيخ لها. عنوان البرنامج"أنديرا غاندي... اغتيال ماذر انديا"، وهو كالعادة انتاج انكليزي 2004، ما يعني بالضرورة أنه مشغول بتلك العناية الحرفية والدقة التاريخية المعهودتين في نتاجات"بي بي سي". والبرنامج، الذي يسبقه على المحطة نفسها فيلم وثائقي سياسي آخر عن المهاتما غاندي، يضع السيدة أنديرا، وربما للمرة الأولى على هذه الشاكلة، أمام أعين المتفرجين الناطقين بالفرنسية، موضحاً بعض الحقائق وأولها أن أنديرا غاندي ليست ابنة المهاتما غاندي، بل ابنة الزعيم جواهر لال نهرو، وكانت متزوجة من الدكتور غاندي الذي يمت بصلة قرابة الى مؤسس الهند الحديثة غاندي. ويرينا البرنامج كيف ربيت أنديرا ? ابنة نهرو الوحيدة ? في كنف أبيها سياسياً وأخلاقياً، وكيف نمت مستعدة لتكون زعيمة سياسية بصفتها أول امرأة تصل الى السلطة العليا لاحقاً في ذلك البلد/ القارة. ثم ينتقل الى سياساتها في خضم صراعات عنيفة في تلك المنطقة من العالم، والمؤامرات التي لم تتوقف عن ان تحاك ضدها، لا سيما من اليمين المتطرف الهندي، ممثلاً خاصة بجماعات السيخ، وصولاً الى الفخ الذي وقعت فيه حين أمرت بمهاجمة المعبد الذهبي المقدس لدى الهنود السيخ، ما جعل هؤلاء يثأرون لمعبدهم باغتيالها. والبرنامج يتابع من خلال أنديرا غاندي، مصير تلك العائلة السياسية، التي سيواصل الاغتيال حصد زعمائها، حتى صارت اليوم ممثلة بنسيبة للعائلة... إيطالية الأصل. في البرنامج، إذاً، صورة للسيدة غاندي قد لا تكون جديدة بالنسبة الى ذوي الثقافة الهندية أو الإنكليزية، لكنها جديدة، بالتأكيد، بالنسبة الى جمهور عريض ناطق بالفرنسية... بالكاد يعرف عن الهند وتاريخها شيئاً. * يعرض في الساعة 12.30 بتوقيت غرينتش على قناة "بلانيت"