قد لا يختلف اثنان على أحادية الخطاب الإعلامي الإيراني، مرئياً ومقروءاً ومسموعاً. وكيف أن المؤسسة الدينية الحاكمة تحتكر قطاع الإعلام منذ"الثَّورة الإسلاميَّة"التي قادها الخميني سنة 1979، وحتى اللحظة، خدمةً لأجندة سياسيَّة محدَّدة، وتسويقاً لأفكار معيَّنة، وكيف كانت المنظومة الإعلاميَّة في هذا البلد منغلقة على نسق إيديولوجي شمولي، يسير بالمجتمع نحو القطعيَّة. بعد هذه المرحلة أتت، ما يمكن اعتبارها"الحقبة الإصلاحيَّة"، في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، التي صنعت"نوعاً"من الانفراج الإعلامي على الدَّاخل والخارج، عبر إتاحة الفرصة لبعض الأفكار الإصلاحية للتعبير عن نفسها في الإعلام المقروء، من خلال بعض صحف، سرعان ما تمَّ الالتفاف عليها وإغلاقها... ولكن، بقيت مؤسَّسة الإذاعة والتِّلفزيون متماهية ومتماشية وتوجيهات"ولاية الفقيه"، مع وجود نقلة تتمثل في الانفتاح الإعلامي على الخارج، عبر إطلاق قنوات فضائيَّة، مهمَّتها التَّعريف بإيران والدعاية لسياستها. ما يشي بأن القيادة الإيرانيَّة، ومع صعوبة الفصل بين القيادة الدِّينيَّة والقيادة السِّياسيَّة في هذا البلد، باتت تعي أهمِّيَّة استثمار الفضاءات المفتوحة إعلامياً، على قاعدة"الهجوم خير وسيلة للدِّفاع". خصوصاً أن"الشَّيطان الأكبر"أميركا ممسك بخيوط ومفاتيح المعترك الإعلامي. ولا يدَّخر وسعاً إعلامياً، ل"الهجوم"على حاضرة"ولاية الفقيه"إيران. من هنا، لم يكتف المسؤولون الإيرانيون بأن يكون لهم عنوان إعلامي فضائي، باللغة الفارسيَّة، بل اتَّجهوا الى مخاطبة الآخر المختلف معهم قوميَّاً ومذهبيَّاً ودينيَّاً وسياسيَّاً وثقافيَّاً بلغته الأم. وكانت الخطوة الأولى في هذا السَّياق، إطلاق إيران فضائيَّة"العالم"الإخباريَّة باللغة العربية في آذار مارس 2003، مع بدء الغزو الأنكلو-أميركي للعراق. اعتبر كثر من المتابعين أن هذه القناة موجَّهة للعراق فقط. لكن، معلوم أن أي مؤسَّسة إعلاميَّة مرئيَّة، لن تحاكي جغرافية معيَّنة، بخاصَّة، لو كانت تابعة لنظام ديني سياسي، مؤمن بفكرة"تصدير الثَّورة". أمَّا الخطوة الثَّانية المفاجئة، والتي أثارت ضجَّة أكثر من الخطوة الأولى "قناة العالم"، فكانت إطلاق إيران فضائيَّة إخباريَّة جديدة بالانكليزيَّة، اسمها"برس تي في"، تبثُّ برامجها على مدار السَّاعة. وقال نائب رئيس المحطة المملوكة من الحكومة، محمد سرافراز إن هذه القناة ستقدِّم وجهة نظر أخرى، غير منحازة، مختلفة عن تلك التي تقدِّمها القنوات الغربية، أو قناة"الجزيرة"القطرية التي دعمت حركة طالبان في أفغانستان ونظام الرَّئيس العراقي السَّابق صدَّام حسين". وأضاف سرافراز:"ترغب"برس تي في"في إيصال وجهة نظر مختلفة عن الوضع الأمني في العراق، والتَّهديدات العسكريَّة الأميركيَّة، ومحاولة إحلال الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط". ويمكن اعتبار تصريح نائب رئيس المحطة بأنها ستكون"غير منحازة"، زلَّة لسان وضعت صاحبها على منزلق استغفال البشر. إذ، كيف لمحطَّة فضائيَّة حكوميَّة وأين؟ في إيران أن تكون غير منحازة؟ أمَّا ما يتعلَّق بالجزء الآخر من التَّصريح، فهذا يشي بأن هذه الخطوة أتت لتدعيم المواقع السِّياسيَّة والدَّعوية والتَّبشيرية للنِّظام الإيراني إعلاميَّاً، في مواجهة الإعلام الغربي والأميركي"المضاد". وعليه، فإن هذه الخطوة، على أهمِّيتها ونوعيتها، ستكون النُّسخة المترجمة الى"الانكليزيَّة"للتِّلفزيون الرَّسمي الإيراني، كما أن قناة"العالم"هي النُّسخة العربية لهذا التِّلفزيون. وتالياً، مع انعدام هامش الحرِّيَّة في إيران، ومهما تنوَّعت العناوين، وتعدَّدت التَّرجمات، سيبقى الخطاب الإعلامي أحادياً، منحازاً الى أجندة السلطة. واللافت هنا، أن قادة إيران يتَّجهون بخطى حثيثة نحو امتلاك"النَّووي"، واستثمار الإعلام، على حساب الشَّعب الإيراني، ربما تمهيداً لأيَّ"مواجهة"مرتقبة مع الشَّيطان الأكبر. فماذا عن نظم عربية تمعن في زيادة عدد السُّجون مع خلوِّ أجندتها من أيَّ مواجهات تُذكر إلا مع شعوبها؟ وماذا عن الرَّساميل العربية المتهافتة على إطلاق فضائيات الدَّجل والخزعبلات وپ"الهشِّكبشِّك"؟