غرف نوم الأطفال عالم بذاته، تتدخّل عوامل وعناصر كثيرة في رسم معالمه، وتحديد معايير لسلامة الصغار، أولاً، ومواصفات لراحتهم، وتراكيب تلائم وجود الكبار عندما يهبّون لخدمتهم، ومخابئ لثيابهم وأغراضهم التي تتبعثر بسرعة ولا توضّب. ويتطلب تصميمه مهارات علمية عالية، كتلك التي يتمتّع بها المعماري لتشييد بناء، وملكات فنية لإشاعة مناخات من السكينة والمرح والحب. إلاّ أن غرف النوم الخاصة بالصغار والمراهقين"امتياز"بعيد من منال أسر"مستورة أو على قدّ الحال". وقد نقل ملحق"الوسط"في عدده الأخير 674 في 27/12/2004 أجواء منزل صغير مكتظ، في مقال بعنوان"13 شخصاً في غرفة واحدة... عندما يستيقظ الابناء على رغبات الوالدين!". ووصفت كاتبته فاطمة رضا الأمور التي تدور في ظروف ضيق المكان التي تفضي إلى ضيق النفس، عن ألسنة القاطنين الذين كبروا ل"يفرّوا"من منزلهم:"... أما نحن فكنا ننام بعضنا فوق بعض وكان يستحيل التمييز بين يد أخي من رجل أختي عندما نكون نائمين... ولم يكن الفقر مشكلة... كان النوم على سرير بمثابة حلم. حلمت لسبع عشرة سنة بطعم النوم مرتفعة عن الأرض، أو التقلب أثناء نومي من دون أن أصفع شقيقي، أو أركل شقيقتي... كل منّا كان ينشد الخصوصية، فتراها هبة في خزانة، وإبراهيم في غرفة خاصة، وجمانة في دقيقة واحدة". حتى أن اكتظاظ المنزل كان ينتقل إلى الخارج الفسيح:"كنا نمشي في الشارع أزواجاً متراصفين، أبي من أمامنا وأمي من ورائنا حرصاً على عدم ضياع أحدنا... وعلى رغم تدابير السلامة، كنا نمضي معظم الوقت يفتش بعضنا عن بعضنا الآخر"... وإلى خصوصية الأولاد، نقل المقال المشكلات التي تنجم من"حميمة"الوالدين وانعكاسها على مجمل الأولاد... إلاّ أنها لم تسفر في تلك العائلة عن إصابات نفسية وعُقد. إذاً، الخصوصية مطلب تتفاوت حدّته مع مراحل نمو الولد. وينصح بمنحها المتخصصون في علم النفس، حتى للرضّع. وهو أمر تخالفهم به التقاليد التي ينتهجها الأهل والأجداد، لزعمهم أن الخصوصية في المراحل الأولى تحلّ رابط الأم بطفلها. وإذا كانت غرفة الطفل تشكّل في مراحل معيّنة مكاناً للعب واللهو والدرس، وتوضيب الأشياء... تتحوّل لدى المراهق مكاناً يسعى فيه إلى ممارسة"الخصوصية"المنشودة. وتصل ممارسته هذه إلى حد حجب عالم الطفولة الذي كانت تمثّله الغرفة وهو صغير، أو"تحطيمه"، وفقاً لإلحاح تحقيق الخصوصية، خصوصاً إذا اعترضت مسيرته نحوها اعتراضات الأهل والمجتمع، التي يكون بلغ مرحلة رفضها. ويجسّد المراهق رفضه، في طريقه نحو البلوغ والرشد، بإبراز الرموز التي تعبّر عن اهتماماته وأولوياته. وهذه عرضة للتغيير بحسب"التقليعة"أو"الصرْعة"التي"تنتابه"في مرحلة ما. ويمكن تصوّر أنه يبدأ بتقديم مكبّري الصوت نحو سريره، ورفع الجهارة إلى درجة مزعجة، ونشر صور"مُثله"من نجوم وربما سياسيين، على الجدران والأبواب من دون أن يحسب حساباً لإفساد الطلاء. فهو يعتبر أن هذه الأمور ثابتة... هي ثابثة إلى أن يغيّر رأيه، ولو بعد أسبوع أو إثر حديث عبر هاتفه الخليوي، أو دردشة مع"أصدقاء"عبر"فايسْ بوك". فهل يُقدم المراهق، في مسيرته لإثبات الذات، على"تدمير"عالم الطفولة، أم يغلّفه بقشور تعبّر عن اهتماماته، وفي الوقت نفسه، عن حنينه إليه، وهو ينتقل من مرحلة إعفائه من المسؤولية إلى مرحلة تحمّلها وأوزار المجتمع والصدمات؟